31 أكتوبر 2025
تسجيلالذي يحصل في ليبيا الآن ما هو إلا نتيجة بذور الكراهية التي زرعها شخص واحد، ودكتاتور واحد، وهو اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي أبى إلا أن يجعل من أرض ليبيا مرتعاً لكل معتد وخائن ومرتزق وعميل. وحيث نمت بذور الكراهية في أحلامه المريضة، وأطماعه الشريرة، ليكون رجل ليبيا الأوحد، وليعيد أسطوانة الدكتاتورية من جديد، وليحطم أحلام شعبه الذي ناضل حتى أسقط الدكتاتور السابق معمر القذافي في ثورة 17 فبراير 2011 وتم قتله في مسقط رأسه بمدينة سرت يوم 20 أكتوبر 2011 من قبل ثوار مدينة مصراتة حينذاك، وحيث ناضل هذا الشعب من أجل العدالة والديمقراطية والحقوق الدستورية، لكن حفتر قام بطائراته وقذائفه وصواريخه بقصف العاصمة طرابلس والمدن الليبية ليقتل المدنيين الأبرياء في مساكنهم، والأطفال في مدارسهم. ويرتكب الفظائع والمجازر الوحشية وجرائم الإبادة وآخرها جريمة المقابر الجماعية بمدينة ترهونة الليبية، ولكنه اليوم يواجه الشرعية المتمثلة في حكومة الوفاق الوطني والتي تذيقه اليوم الهزيمة تلو الهزيمة والاندحار تلو الاندحار في جيشه ومرتزقته وعتاده وقواعده العسكرية. وهي نهاية حتمية لكل طاغية ومستبد والنصر حليف كل مظلوم وكل صاحب حق ، وشعب ليبيا الحر الأبي سيقطف ثمار النصر عما قريب وما النصر إلا من عند الله . وما عملية اغتيال الصحفي الإعلامي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بالعاصمة التركية إسطنبول يوم الثاني من أكتوبر عام 2018 ذلك الاغتيال البشع الذي هز العالم آنذاك، هذا الاغتيال الذي كشف عن بذور الكراهية التي دفعت بمسؤولين كبار في المملكة العربية السعودية بجهاز الأمن والاستخبارات بالتورط في هذا القتل الوحشي متناسية ومتجاهلة مكانة دولتها بين دول العالم، متخطية كافة الأعراف والقنوات الدبلوماسية .. متجاوزة لكل القيم والمبادئ الأخلاقية بقتل رجل .. وأين؟ ( في قلب الدبلوماسية السعودية ) والتي لم يكن يتصورها أحد أو يتوقعها أحد لأنه كما هو معلوم أن السفارات في العالم هي صمام الأمان لكل مواطن يطلب الأمان لشخصه، ويلوذ بسفارة بلاده طلباً لهذا الأمن والأمان، وحقناً لدمه الذي لا يراق إلا بحقه. لكنها بذور الكراهية التي أعمت أصحابها وتجاوزت كل الحدود في التشفي بالقتل والانتقام وإخماد كل صوت حر . مع أن جمال خاشقجي يرحمه الله لم يكن إلا ذلك الإنسان الصحفي الشريف الذي طالما أحب بلاده ، وطالما دافع عن قضاياها. وكان لا يريد من رأيه وصوته إلا الإصلاح .. فقد كتب في مقال مشترك مع الصحفي روبرت لابسي بصحيفة ذي غارديان البريطانية في مارس آذار 2017 بالنسبة لبرنامج الإصلاح الداخلي فإن ولي العهد يستحق الثناء. لكنهما في الوقت ذاته أشارا إلى أن الأمير الشاب لم يشجع ولم يسمح بأي نقاش في السعودية حول طبيعة التغييرات . لكنها بذور الكراهية التي جعلت من اغتيال جمال خاشقجي واحدة من أغرب الحوادث التي تعرض لها الصحفيون عبر العالم. جريمة قتل واغتيال وتقطيع لأعضاء جثة وإذابتها في محلول كيميائي ، واختفاء لجثته المجهولة حتى الآن وحيث اعترفت السلطات الرسمية أخيراً بأن الفريق الأمني السعودي هو الذي قتله وخطط مسبقاً للجريمة . إن بذور الكراهية لا تنبت إلا نبتات خبيثة تزرع السموم داخل المجتمعات والأفراد والكيانات، وتجعلها دائماً متحفزة لخلق الفوضى وإشعال الحروب بدلاً من المحبة والسلام . إن بذور الكراهية تنبت الفوضى بدل الاستقرار وتنبت الدمار بدل الازدهار وتنبت التخلف بدل التقدم. لأن بذور الكراهية لا تنبت إلا النفوس المريضة بالضغائن والأحقاد والنفوس المتكبرة المتغطرسة . إن بذور الكراهية تنسف المحبة والتي هي أساس سعادة الإنسانية، المحبة والتي وحدها القادرة على انتشال إنسانيتها وعلاجها . المحبة هي التي جمعت المؤمنين وألفت بين قلوبهم وهي التي جعلت الإنسان الصوفي أساساً لعلاقته بربه، المحبة التي تصنفها المسيحية بأعلى الدرجات (الله محبة). وقال فيها أحد الحكماء: لا يهدم قصور المحبة إلا ثلاثة: كثرة الخطأ وكثرة العناد وقلة الاحترام . وقال فيها آخر: أن نمحو الغلطة من أجل استمرار المحبة ، وليس أن نمحو المحبة من أجل الغلطة . وقال عنها الفيلسوف الإنجليزي جورج برناردو شو: (الأفعال هي التي تؤكد على صدق المحبة أما الكلام فالكل فلاسفة ) . وأخيراً تبقى المحبة هي عنوان ديننا وعقيدتنا وإسلامنا وأساس كتابنا القرآن الكريم قال تعالى: ( وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُو ٱلدَّارَ وَٱلۡإِيمَٰنَ مِن قَبۡلِهِمۡ يُحِبُّونَ مَنۡ هَاجَرَ إِلَيۡهِمۡ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمۡ حَاجَةٗ مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤۡثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ وَلَوۡ كَانَ بِهِمۡ خَصَاصَةٞۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ " (9)الحشر إنها مقومات وأركان المحبة التي وضحتها هذه الآية الكريمة العظيمة لعلاج أمراض الكراهية واستئصالها في كيان الأفراد والدول والكيانات والمجتمعات. أولها : يحبون من هاجر إليهم (صفة المحبة) وهي أعلاها مرتبة . وثانيها: لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ( نبذ الكراهية والبغضاء ) . ثالثهـا : ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ( الإيثار والتضحية ) . رابعها: ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ( نبذ البخل وحب الذات ). إنها صفات وسمات خير أمة أخرجت للناس منذ أربعة عشر قرناً والسؤال أين هذه الأمة الآن ؟؟؟ والله من وراء القصد [email protected]