10 سبتمبر 2025

تسجيل

الإنسانية بين الذكاء الاصطناعي والفطري (21)

13 يوليو 2021

وحيث يعتبر علم الشياطين فرعاً من فروع علم اللاهوت المسيحي المختص بالدراسات المتعلقة حول الكائنات الخارقة، وحيث يطلق على الشخص الذي له ممارسة واتصال بالشياطين اسم عراف، وتسمى الممارسات السحرية والاتصال مع الشياطين بالكهانة، ولقد استخدمت الكهانة في أوجه مختلفة منذ القدم، حيث يبين الكهان والعرافون تفسيراتهم لكيفية الإلهام ومباشرة كلامهم عن طريق قراءة معنى العلامات والوقائع أو التكهنات، من خلال تواصلهم حسب زعمهم مع الأرواح الشريرة أو مع جهات غيبية خارقة للطبيعة، وحيث انتشر السحر في المجتمعات القديمة ومنها مدينة بابل منذ أيام السومريين، والسحر من الطقوس التي تمارس للتقرب إلى الشياطين أو الأرواح وغيرها.. وهذا ما تؤكده الآية الكريمة من قول الحق سبحانه وتعالى "وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَٰطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَٰنَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَٰنُ وَلَٰكِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ وَمَآ أُنزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَٰرُوتَ وَمَٰرُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَآ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِۦ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَزَوْجِهِۦ" الآية 102 سورة البقرة، حيث تعبر هذه الآية عن قضية السحر وتفشيها في أهل بابل الذين انتشرت فيهم علوم السحر حتى ضرب المثل في إتقان السحر بحكماء وكهنة وسحرة بابل الذين كانوا قوماً صابئين يعبدون الكواكب السبعة ويسمونها آلهة ومدى قدرة الشياطين على التواصل مع البشر من الكهان والعراف لممارسة هذا السحر الذي يصل إلى تمزيق العلاقات الأسرية والاجتماعية، والتي عبر عنها الحق سبحانه وتعالى هنا في الآية بقوله سبحانه "فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِۦ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَزَوْجِهِۦ". وهذا ما نسمعه حتى يومنا هذا من تسخير العرافيين والكهان من استخدام سلاح السحر في التفريق والتمزيق والضرر والإضرار لكثير من الناس وخصوصاً في المجتمعات المتخلفة والذين وقعوا في هذا النوع من السحر، وحيث كان جلب السحرة واستخدام السحر وحيله وألاعيبه وطلاسمه من قبل الملوك والحكام في كثير من الشعوب والأمم القديمة سبيلاً نحو السيطرة والنفوذ والإذلال والخضوع لهذه الشعوب والأمم، وذلك لما كان يريده هؤلاء الملوك والحكام من فرض حكمهم وسيطرتهم ونفوذهم على السلطة والهيمنة عليها وهذا ما نراه جلياً في قصة نبينا موسى عليه السلام مع سحرة فرعون، والتي أشار إليها القرآن الكريم في كثير من الآيات حول استخدام فرعون لهؤلاء السحرة في تثبيت حكمه وسلطانه وسيطرته التي كانت تتصف بالقسوة والوحشية وفي مصطلحاتنا المعاصرة "بالديكتاتورية" وذلك في قوله سبحانه وتعالى في الآية الكريمة "إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ" الآية 4 سورة القصص، وحيث إن الله سبحانه وتعالى أعطى نبينا موسى معجزة العصا والتي كانت تتحول إلى حية تسعى وكما أشار إليها القرآن الكريم بقوله سبحانه وتعالى "وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى * قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى* فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى" الآيات 17-20 سورة طه.. حيث إن متطلبات التحدي آنذاك كانت تفرض هذا النوع من المواجهة التي فيها مقومات المعجزات للتصدي لهؤلاء السحرة الذين كان يستخدمهم فرعون في تثبيت ملكه وحكمه وسلطانه وجبروته وفساده وظلمه، ولهذا تم تحديد موعد المواجهة والتحدي من قبل فرعون لنبينا موسى عليه السلام في يوم يسمى عندهم (يوم الزينة) وهو يوم وطني عند آل فرعون كما أشارت إليه الآية الكريمة من قوله سبحانه وتعالى "قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى * فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى * قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى *" الآيات 57-59 سورة طه. وفي هذا اليوم الموعود بدأت معركة سحرة فرعون باستخدام سحرهم في إلقاء عصيهم التي بدت وتراءت في نظر نبينا موسى عليه السلام على أنها حيات تسعى أدخلت في نفسه شيئاً من الخوف والرعب وهنا كان أمر الله لنبينا موسى عليه السلام بإلقاء عصاه التي تحولت إلى حية حقيقية تسعى حيث تلقفت وأبطلت سحر سحرة فرعون كما بينه سبحانه وتعالى بقوله في الآية "فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ" الآية 66 سورة طه، وحيث كانت المفاجأة كما بينها هنا الله سبحانه وتعالى "فَأَلْقَىٰ مُوسَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِىَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ" الآية 45 سورة الشعراء.. وفي الآية الأخرى أيضاً "وَأَلْقِ مَا فِى يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوٓاْ ۖ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَٰحِرٍۢ ۖ وَلَا يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ" الآية 69 سورة طه.. هذه المفاجأة التي فجرت قوة المعجزة أمام سحرة فرعون مما دعاهم فوراً إلى الاعتراف بعجزهم أمام هذه المعجزة الحقيقية وهنا عرفوا لحظة الحقيقة وكما أشارت إليها الآية الكريمة بقوله سبحانه وتعالى "فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ" الآية 70 سورة طه.. ثم بعدها النهاية المروعة لهؤلاء السحرة الذين أمر فرعون بقتلهم وتقطيع أيديهم وأرجلهم وصلبهم وقال كلمته المشهورة كما ذكرها الله سبحانه وتعالى في الآية الكريمة "قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى" الآية 71 سورة طه. وللمقال بقية الأسبوع المقبل [email protected]