10 سبتمبر 2025

تسجيل

الإنسانية بين الذكاء الاصطناعي والفطري (20)

06 يوليو 2021

إن هذه القوة الخارقة التي يتمتع بها الجن والشياطين في اختراق آفاق الكون وآفاق السماوات العلى، وبحيث إننا نحن الإنسانية لا يمكننا أن نراهم رأي العين والمشاهدة، حيث إنهم خلقوا من النار، وهذا الخلق الذي خلقهم به سبحانه وتعالى جعلهم يمتازون بهذه الصفة، كما أشار إلى ذلك سبحانه وتعالى بقوله "يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ " الآية 27 سورة الأعراف، تأكيد على أننا نحن الإنسانية لا يمكن لنا أبداً الوصول إلى المشاهدة والرؤية بالعين المجردة لإبليس الذي هو سيد الجن وأعوانه من مردة الجن والشياطين حيث إنهم يروننا ونحن لا نراهم. ومن هنا بدأت رحلة الشيطان في طريق الوسوسة والإغواء والإغراء والوعود الكاذبة واستخدام كل هذه الأسلحة في حربه ضد الإنسانية نحو دروب الشر والفتن والعداوة والبغضاء وكل ما هو فتنة وشر ومصيبة، لقد بدأت الحرب منذ الخليقة الأولى عندما خلق الله سبحانه وتعالى أبونا آدم وأمر ملائكته بالسجود له سجود تشريف وتكريم، حيث رفض إبليس الذي كان موجوداً آنذاك الأمر من الله بالسجود لأبينا آدم عليه السلام، وكما وضحته آيات القرآن الكريم في كثير من مواضع السور والآيات والتي لا يمكن حصرها هنا.. وبعدها توعد إبليس وأخذ العهد على أن يكون العدو الأول لأبينا آدم وتم له ما أراد عندما استخدم واحداً من شياطينه لإتمام المهمة بإخراج أبينا آدم وزوجته حواء من الجنة كما قال سبحانه وتعالى في شأن ذلك "يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ" الآية 27 سورة الأعراف.. وقال في الآية الأخرى في شأن أبينا آدم "فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ" الآية 120 سورة طه.. حيث تجد في الآيتين الكريمتين أسلحة هذا الشيطان وهي سلاح الفتنة في الآية الأولى.. وسلاح الوسوسة في الآية الثانية، وحيث إن الآيات القرآنية جميعها تذكر أسلحة هذا الشيطان ووسائله ودروبه وخطواته التي حذر منها الله سبحانه وتعالى الإنسانية مثل قوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۚ" الآية 21 سورة النور.. وهناك أيضاً سلاح للشيطان وهو الوعود الكاذبة والأمنيات الزائفة، كما قال سبحانه وتعالى مشيراً إلى ذلك "الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء" الآية 268 سورة البقرة، وقوله تعالى أيضا "يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا" الآية 120 سورة النساء، وقوله سبحانه وتعالى أيضاً "وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍۢ وَلَا نَبِىٍّ إِلَّآ إِذَا تَمَنَّىٰٓ أَلْقَى ٱلشَّيْطَٰنُ فِىٓ أُمْنِيَّتِهِۦ" الآية 52 سورة الحج، وقوله تعالى أيضاً في آية أخرى "وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ "الآية 48 سورة الأنفال.. وأخيراً قوله سبحانه وتعالى "قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا" الآية 64 سورة الإسراء، والخطاب هنا في هذه الآية موجه إلى إبليس باستخدام كل وسائله وأسلحته من الإغواء والاستفزاز والمشاركة والوعود الكاذبة والأمنيات الزائفة في كل نواحي الحياة التي يكون الإنسان طرفاً فيها لعيشه وسعيه وكدحه من الأموال والأولاد وغيرها بحيث تخرج عن أهدافها وغاياتها الخيرة الطيبة والصالحة نحو مواقع الشرور والبغضاء والعداوات والصراعات والأحقاد والأطماع. ومن هنا ظلت الإنسانية وبمختلف ثقافاتها وأديانها تبحث عن عالم الشيطان والشياطين باعتبار هذا الشيطان كائناً خارقاً للعادة، وحيث تعتبره غالبية الأديان والمعتقدات تجسيداً للشر، وفي أحيان كثيرة عدواً ونقيضاً للإله فهو ممثل الشر وكل ما ينطوي تحته من أفعال وأفكار في حرب مقدسة أو كونية مع قوى الخير، وعليه فإن أدق المصطلحات الفلسفية لوصف علاقات الشيطان بالإله هو الثنوية فالإله يمثل قوى الخير والنور التي تقاتل لأجل نجاة الأرواح البشرية من شر الشيطان وأعوانه. فهو عندنا في الإسلام إبليس وأعوانه من الشياطين.. وفي المسيحية يطلق عليه اسم لوسيفر.. وفي اليهودية يعتبر عندهم أحد أعضاء المحكمة الإلهية ويسمى ليهوه.. والفيلسوف أفلاطون يقول إن الشياطين هم مراسلون وسعاة بين الآلهة والبشر، وفي الديانة الزرادشتية يعتبر الشيطان الكائن الذي يفسد في الوجود ببث الظلام، فهو ملك الظلام بينما الله هو الذي يبث النور الذي سينتصر في النهاية ويعلو شأنه وأمره. وفي إنجيل بوذا تجد إشارة إلى الشيطان الشرير بقوله "توجه القديس نحو شجرة البودهي المدعوة شجرة المعرفة المقدسة وجلس تحت ظلها بغية إنجاز موضوع بحثه، وعندما كان ماشياً ارتجفت الأرض وشع نور غير وجه العالم، وحينما جلس ترنمت السماوات بأصوات مفرحة وامتلأت كل الكائنات الحية بفرح شديد شعر الشيطان وحده سيد الشهوات الخمس الخبيثة وصانع الموت وعدو الحقيقة بالألم ولم يفرح أبداً.. وفي نص آخر يقول "انظروا إلى الراهب الكبير لم تتأثر روحه بالحقد، لم ترهبه فرق جيش الشيطان الشرير هو طاهر وحكيم مملوء بالمحبة والرحمة"، وعليه فإن بوذا في أنجيله يؤمن بقوى الخير السماوية التي يترأسها الإله براهما وبقوى الشر التي يترأسها الشيطان وكيف حاول الشيطان منع بوذا من القيام برسالته عدة مرات ولكن بوذا كان يزجره ولم يذعن له لأن الأرواح السماوية الخيرة عضدته وقهرت قوى الشر التي يترأسها الشيطان. أما عند بعض المعاصرين فقد أنكروا فكرة الشيطان واعتبروها أسطورة اخترعها الإنسان ليميز بين ما هو خير وما هو شر في حين اعتبره بعض الماديين واللادينيين رمزاً للثورة على الضيم والقهر والظلم والتحرر من سلطان الله.. وللمقال بقية الأسبوع المقبل. [email protected]