10 سبتمبر 2025
تسجيللربما قد مرّ بك أن ترى أحدهم يمارس صنعته -أياً ما كانت-بطريقةٍ تبدو لك عندما تراقبها سهلة جداً وبسيطة إلى الحد الذي يدفعك للتفكير أنها من التفاهات، أو ربما من الأمور السهلة جداً التي تستطيع الإتيان بها بأيسر ما عندك.. وربما يفاجئك عندما تحاول أن تأتيها بمدى صعوبتها ! حينها من الجيّد أن تعلم أنه وصل إلى درجة الاحتراف فيها، وأنه قضى في الدربة عليها ربما عمراً بأكمله حتى تفيض منه بسرعة وسهولة وبساطة تبدو للرائي أنها سهلة جداً، بسيطة حقاً ! هذه الدرجة من الإتقان هي مقام (السهل الممتنع) التي يندمج فيها الفكر والشعور والجسد والروح.. ولا يصلها المرء إلا بالتدرّج والاصطبار على ممارستها وتكرارها.. ومن حُسن الإدراك أن نتنبه إلى أن ذلك لا يتم فحسب فيما يتجّلى لنا من المهارات الحسيّة الجسدية، بل كذلك على مستوى المهارات غير الحسيّة المرتبطة بالفكر والروح والشعور.. فمن الناس مثلاً من يكون ذهنه وقاداً بالحجج والبراهين، أو مسترسلاً بقلمه في الكتابة والإبانة، ومنهم من يألف الشعور فتجده فيّاضاً بالحب ينبع منه بلا عمدٍ أو جهد يذكر ! ومنهم من تظهر منه مهارات الجسد والفن والإبداع فيصدّرها لنا فناً مدهشاً بارعاً كأبهى ما يكون! تلك السهولة الممتنعة هي مقامٍ عالٍ من الإتقان، والتجويد والألفة التي خلقها صاحبها معها.. الأهم أن نُدرك أنها يمكن أن تُمارس على النقيضين ! فمن الناس من يصدر سوء الخلق منهم كطبعٍ لا ينفك منه، ومنهم من يمارس تشاؤمية الفكر، أو سوداوية الشعور حتى تظن أنه لها منبع و منبت ! وحتى صار كجزء منه يفيض به ويضر نفسه ومن حوله ! لذا.. ما أجدر بالمرء أن يفطن بما ألفه من مهارات الجسد والفكر والوجدان، و ما يدرّب باستمرار نفسه وعقله وروحه وجسده عليه، حتى لا يصدر منه مع الدربة والمران كطبعٍ (سهل ممتنع) فيما قد يسوءوه أو ينقلب عليه وعلى من حوله بلا نفع أو فائدة أو ربما ضرر له ولغيره ! لحظة إدراك: أولى مراتب التغيير هي الفطنة والانتباه، فالطبع السهل الممتنع يصبح مألوفاً لا يُلحظ مع الوقت لأنه قد أحكم قبضته على صاحبه، فيصدر منه بلا فكرٍ ولا رويّة! فالوعي بذلك ابتداءً يُسهّل إعمال المراقبة، وتعهّد النفس بالتدرّج والإصلاح لما تم اختياره من الأطباع الجديدة التي يريد التطبّع بها، وتعهدها بدوام المران عليها حتى تصبح مسلكاً جديداً، سهلاً ممتنعاً يأتيه دون لأيٍ ولا مشقّة.