18 سبتمبر 2025

تسجيل

الأزمات تصنع النجاح

30 مايو 2021

(تذكروا دائماً أن الأزمات ترحل، وأنتم الباقون بمعارفكم وخبراتكم)، جملة بألف معنى ذكرتها صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر في حفل تخريج جامعات مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع دفعة 20/21، حيثُ ألقت كلمتها عبر فيديو مُسجل عن بُعد نظراً للإجراءات الاحترازية التي تشهدها البلد جرّاء جائحة كورونا كوفيد - 19، وكعادة سموها في كل محفل ومناسبة رسمية تُلقي بخطابات مؤثرة وثرية بالحِكم التي ترسم خارطة مبادئ الإنسان إذا ما تمسّك بها، وفي كلمتها الأخيرة هذه وتحديداً هذه الجملة ألقت الضوء على الأزمات التي يمكن أن تمر على حياة الإنسان والمنعكسة على المجتمع بالتأكيد، خاصة أننا ومنذ عام 2020 نعيش أزمة عالمية طالت انعكاساتها الجوانب الإنسانية والصحية والاقتصادية بل وحتى السياسية، ولأول مرة منذُ عقود يتأثر العالم بكامله بِدوُلهِ الكبيرة والصغيرة بالجائحة التي حصدت أرواحاً كثيرة، ولم يخل مجتمع من إصابات لفيروس كورونا، الذي أرهق الطواقم الطبية في كل العالم، وما يجعل التوتر مستمراً لدى العالم هو استمرار تَمّحور هذا الفيروس وظهور تبعات جديدة له مما يَشعُرنا وكأننا أمام مسلسل رعب لا نهاية له. الأزمات التي أشارت لها صاحبة السمو وإن كانت تقصد الأزمة الراهنة، إلاّ إننا إذا ما تأملنا في الأزمات سنكتشف أن حياتنا عبارة عن أزمات متتالية تمر علينا باختلاف شدتها ونوعيتها وانعكاساتها سواء شخصية أو اجتماعية أو دولية، كما أن الأزمات تتطور شدتها كلما تَقدمنا في العمر، فمثلاً عدم الحصول على اللعبة المفضلة للطفل يعتبرها أزمة، والحصول على علامة كاملة في الامتحانات المدرسية أزمة للطالب، والمجموع التراكمي للتخرج في الجامعة أزمة للخريج والحصول على وظيفة أزمة، وتحديات العمل أزمة، ومن ثم تكوين عائلة أزمة، تربية الأبناء وتوفير حياة كريمة لهم أزمة، في بعض الدول غير المستقرة أمانهم أزمة، والهجرة أزمة والحروب أزمة، والنزاعات السياسية أزمة والفقر والجوع أزمة وعدم الإجماع الدولي على حل للدول المغتصبة أرضها مثل فلسطين أزمة لا تنعكس على الفلسطينيين فقط بل المجتمعات المسؤولة ككل. إذا نعيش الأزمات بكل أشكالها، ولكل شخص منّا أزماته التي يعتقد بأنها أكبر وأسوأ أزمة في العالم، ويظل يبحث عن حلول مناسبة لها، وإن وجد وحُلت بدأت أزمة جديدة من نوع آخر سواء كانت صحية أو مادية أو اجتماعية وغيره، والأمر الوحيد المُستفاد من كل أزمة التجربة التي يمر بها الشخص خلال هذه الأزمة، والتي تصنع منه القيِم والمبادئ والمعارف والخبرات، وبالتالي البصمات الإيجابية، ومن لم تعكس أزمته نتائج إيجابية على تصرفاته وسلوكياته فهو فاشل ولم يتعلم من الدروس، بل قد يكون ليس سوياً ويعاني من اضطرابات نفسية، لأن الله عندما يضعنا في الأزمات فهو يختبر قوتنا وصبرنا وإيماننا بعدله، ويتأمل منّا أن نتعلم من تلك الأزمة الدروس، فإذا ما تم تجاهلها وعدم الاستفادة وتكرارها فهذا يعني أن الشخص ميؤوس منه بل وكما وصفه الله في كتابه (في طغيانهم يعمهون). الأزمات ترحل، وتأتي غيرها ونحنُ الباقون بمعارفنا وخبراتنا التي كونتها تلك الأزمات وحِرصنا على التعّلم واستقاء المعرفة، وكلما اشتدت الأزمة كانت المعرفة والحكمة أعمق، لهذا لابد من الاستثمار في الإنسان نفسه لأنه أعمق ما قد يستمر في الكون، وعليه أن يحرص على تثقيف نفسه ويتسلح بالمعرفة والعلم وأن يكون حاضر الذهن لما يحدث حوله ومتيقظاً لما يدور حوله من أحداث وما قد يُحاك ضده في الخفاء، وأن يعي أن الأزمات بمرورها تكشف له نفسيات الناس من حوله وتفتح بصيرته التي ربما تعميها طيبته وعفويته، وتجعله أكثر حرصاً ومعرفة بنفوس الناس المتغيرة والجائعة والحاسدة والحاقدة حوله فينتفض من سباته ويبتسم بصمت لكل الخبثاء حوله، ليشكر تلك الأزمات التي ضافت لمعرفته وخبرته الكثير. • خطاباتها مؤثرة وكلماتها العميقة تحتاج لأبحاث في التحليل وبساطتها وقربها من القلب يجعلانها نافذة لقلوب الناس ولإطلالتها رُقي نفخر به، ولأناقتها فخامة نتعلم منها، إنها أم الجميع وقدوتنا صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر حفظها الله. ‏[email protected] ‏@amalabdulmalik