10 سبتمبر 2025
تسجيلاستفزني لكتابة هذا الموضوع فيلم تَم تحميله مؤخراً على إحدى منصات الأفلام الأجنبية، وتتناول قصة الفيلم مأساة عامل آسيوي وصل لإحدى الدول الخليجية وبالخظأ رافق رجلا اعتقد أنه كفيله، وأخذه إلى منطقة صحراوية ليرعى المواشي والإبل ولم يتوقع العامل أنه سيتم نفيه في الصحراء فقد تقدم لوظيفة أخرى، والقصة تبدأ في التركيز على سوء معاملة العامل من قِبل الكفيل الذي كان لا يتردد في ضربه وإهانته ويحرمه الطعام، بل لم يتفهم غربة العامل الذي لم يتمكن من التعبير عن مشاعره لعدم توافق اللغة بينهما، وتحول العامل إلى شبح بعد فترة من الزمن، أشعث الشعر وطويل اللحية وهزيل من قلة الأكل وتغيرت ملامحه ورغم محاولاته للتأقلم مع وضعه وقَدَره الذي جعله يترك اهله وبلده ويعيش في صحراء قاحلة مع الحيوانات، وقد يهون ذلك إذا كان يتلقى معاملة طيبة تهون عليه مأساته لكن أن يُهان باستمرار ويُحرم من أبسط حقوقه في العيش الكريم وأن يكون لديه الخيار في العودة لوطنه وترك هذه الوظيفة التي لا تتناسب وطموحه وقدراته فذلك قمة القسوة وانعدام الإنسانية، ويحاول العامل الهروب ليهيم في الصحراء ويفقد أصدقاءه الذين لم يتحملوا العطش والشمس الحارة والجوع والذين كان حلمهم توفير حياة كريمة لأهلهم وللأسف فقدوا حياتهم وهم يحملون قهراً في قلوبهم وخوفا من المجهول، وبعد جهد وهلاك يعبر الصحراء ليجد نفسه في قسم الشرطة مصطفاً مع كثير من العمال ليمر الكفيل يبحث عن عامله المفقود ولحسن حظه لم يتمكن كفيله عديم الإنسانية من أخذه نظراً لأنه ليس على كفالته أصلاً ومنها تم ترحيله لوطنه، ويختم الفيلم بجملة تبين أن كثيرا من العمال يواجهون نفس المصير في هذه المنطقة وأنهم يُعاملون بعدم إنسانية! تأثرت جداً وفكرت كثيراً حول مصداقية الفيلم هل فعلاً يسيء البعض للعمال ويعاملونهم معاملة قاسية ويتعمدون إهانتهم، أم أن ما ورد في الفيلم مبالغات لتشويه صورة الخليجيين والعرب! وفي كل الأحوال فإن ذلك كارثة، خاصة أن يتم تعميم القسوة وانعدام الإنسانية وإساءة المعاملة على مجتمعات خليجية بسبب حالات شاذة يجب أن تُعاقب وتكون عبرة لغيرها!. أوصانا الله سبحانه في كتابه العظيم بالرحمة بل ووصف نفسه بها في قوله تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ} [الأعراف: 156 ـ 157]، وفي قول آخر (قَالَ هَـٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) ﴿٩٨ الكهف). وتُعرف الرحمة في اللغة العربية بأنها رقة القلب وسعة الصدر للفوز بمحبة الله ومنها محبة الناس، وإذا اتصف بها الله فكيف لا يتصف بها الإنسان، ووعد الله سبحانه راحمي العباد بالرحمة، والتحلي بالرحمة اقتداء بالأنبياء والرسل الذين اتصفوا بالرحمة، في الوقت نفسه الرحمة سبب للمغفرة ومحو الذنوب ناهيك عن أنها تُحبب الخلق فيك وتجعلك تشعر بمشاعر الآخرين فتختار ألفاظك وتحسن صفاتك وسلوكياتك ولا تقبل على غيرك ما لا تقبله على نفسك، فكل إنسان له كرامته وكبرياؤه وشخصيته التي لا يقبل أن يمسها أحد سواء كان فقيراً أو غنياً، جاهلاً أو متعلماً، مديراً أو عامل نظافة، فنحن في مجتمع يُكمل بعضنا الآخر ومن غير المقبول الاستهانة بوظائف الآخرين وإن كانت بسيطة فهي ذات قيمة في المجتمع فمثلاً لولا عامل النظافة لانتشرت القاذورات وشاعت الأمراض، ولولا عامل البناء لما سكنا بيوتنا، ولا كانت طرقاتنا مرتبة، فلنتأمل حولنا ونر أهمية الآخرين في بناء مجتمعنا، ولنكن أكثر رحمة مع البسطاء ولتعل وجهك ابتسامة وأنت تتعامل معهم ولنتعامل معهم بأخلاق الإسلام ولننادهم بأسمائهم ونحيهم ونشكرهم إذا قدموا لنا عملاً، ويكفيك أن تكون سبباً لإدخال السعادة في قلب أحدهم ففي المقابل سيسخر لك الله من يسعدك. • تشيع الرحمة والمودة والألفة في المجتمع فيصبحوا كالجسد الواحد، فما أحوجنا للرعاية والمعاملة الطيبة والإحساس بمشاعرنا والاهتمام بأرواحنا، فكُن رحيماً بالآخرين لينزل الله تعالى رحمة عليك!. • لكل من يتعالى على البسطاء ويسيء معاملتهم ويسلبهم حقوقهم، راجع نفسك كثيراً قبل أن يحرمك الله رحمته ويُسلط عليك من لا يرحمك ويهين إنسانيتك!.