31 أكتوبر 2025
تسجيلالتكفير تجريد للمسلم من حقوقه الشرعية، ولخطورته وضع الإسلام عدة محاذير تحول دون العدوان على المسلم بالتكفير ومنها: 1 — ارتداد الحكم على قائله عند عدم ثبوته: قال صلى الله عليه وسلم:"لا يرمي رجلٌ رجلاً بالفسوق، ولا يرميه بالكفر، إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك"، وقال أيضا: "إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما". يقول ابن عبد البر: "فقد باء القائل بذنب كبير وإثم عظيم، واحتمله بقوله ذلك، وهذا غاية في التحذير من هذا القول والنهي عن أن يقال لأحدٍ من أهل القبلة: يا كافر". فالحديث سيق لزجر المسلم "أن يقول ذلك لأخيه المسلم… وقيل: معناه رجعت عليه نقيصته لأخيه ومعصية تكفيره… فمعنى الحديث: فقد رجع عليه تكفيره، فالراجع التكفير لا الكفر، فكأنه كفَّر نفسه لكونه كفَّر من هو مثله..." وهذا تحذير كبير لمَن كفَّر مسلما بشبهة وليس كذلك. يقول ابن دقيق العيد: "هذا وعيد عظيم لمن كفَّر أحداً من المسلمين وليس كذلك". 2 — قذف المؤمن بالكفر كقتله: من المحاذير التي جعلها الإسلام حائلاً دون تكفير المسلم ما ورد من أن قذف المؤمن بالكفر كقتله، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "ومَن قذف مؤمناً بكفر فهو كقتله"، وهذا ما جعل أهل العلم يشدِّدون في التضييق على قضية التكفير؛ لأن: " الأصل في المسلم براءة ذمته من الحقوق، وبراءة جسده من القصاص والحدود والتعزيرات، وبراءته من الانتساب إلى شخصٍ معين، ومن الأقوال كلها، والأفعال بأسرها" والقول بتكفيره يسلبه من ذلك كله. 3 — التكفير حكم شرعي لا مدخل للعقل المجرد فيه: كذلك من المحاذير التي وضعها الإسلام لمنع الاجتراء على التكفير أن جعل مادته شرعية لا مدخل للعقل فيها، فلا يكفَّر إلا مَن كفَّره الله ورسوله، يقول الإمام الغزالي: الكفر حكم شرعي كالرق والحرية، ومعناه: إباحة الدم والحكم بالخلود في النار، ومدركه شرعي، فيدرك إما بنص أو قياس على منصوص". ويقول ابن الوزير (840هـ): "إن التكفير سمعي محض لا مدخل للعقل فيه". وهذا ما يجعل أهل السنة لا يبادرون بتكفير المسلم ولا مَن كفرهم ما لم تنطبق عليهم الشروط، يقول شيخ الإسلام: " أهل العلم والسنة لا يكَفِّرون مَن خالفهم، وإن كان ذلك المخالف يكفِّرهم؛ إذ الكفر حكم شرعي، فليس للإنسان أن يعاقب بمثله، كمَن كذب عليك وزنى بأهلك ليس لك أن تكذب عليه أو تزني بأهله، لأن الكذب والزنا حرام لحق الله تعالى، وكذلك التكفير حق لله، فلا يُكفَّر إلا من كفَّره الله ورسوله". وقد قال ابن القيم (751 هـ)في نونيته: الكفر حـق الله ثم رسوله *** بالنص يثبت لا بقول فلان من كان ربُّ العالمين وعبدُه *** قد كفَّراه فذاك ذو الكفران وهكذا فالقول في هذه المسألة وغيرها من مسائل الدين مردّه إلى علم الشريعة وفقه نصوصها، ولا يجوز في ذلك كله الخوض بلا علم ولا برهان من دين الله. ومما سبق يتّضح أن الأصل في المسلم براءة الذمة، ولا يحلّ لمسلم الاعتداء عليه بدون بيّنة، ولا الحكم عليه إلا إذا تحقّقت فيه ضوابط التكفير.