09 سبتمبر 2025
تسجيلفي منهجي لا أجد التوقعات سوى تصوّرات مُسبّقة، بيدك أن تجعلها قيداً لك يمنعك من الإقدام، أو تحيلها إلى حكمةٍ وحصافة تعينك على المسير! فليس طرد التوقعات على علاّته من شيم النبلاء، ولا رفض التصوّرات المسبقة من محاسن الحكماء.. ذلك لأن التوقع في حد ذاته لا سلطان له على عقل من يُدرك كيف يتعامل معه! فالعاقل يتوقع من الناس احترام حدوده، ورد التعامل النبيل بمثله، كما قد يتوقع من الأمارات التي تتبدى له في مسالك الناس وتعاملاتهم نهاية محمودة أو مذمومة معهم، ويستقرئ منها البشائر أو النذر، فيتخذ في سبيله ما يتهيأ له أنه الأنسب من الإقدام أو الإحجام، أو من التوّسع معهم أو التحجيم، فهذا من حُسن الفراسة، ومن القوة الممدوحة في مراقبة الإشارات والعلامات، فهو كيّس فطن، مُدرك لما حوله، دون تعلق في توقعات معينة ليس مصدرها سوى نظرةٍ محدودة، أو شعور طاغٍ غير متزن! أما التوقع الذي يقيدك في صورةٍ واحدة، أو هيئة محددة أو ردود فعلٍ معينة لا تراعي اختلاف طبائع الناس وأمزجتهم، والذي يرسم صورة تفصيلية معيّنة لما يجب أن يكون، وكيف ومتى يكون، فهذا مما يقيد العقل، ويدفع سلام القلب للهروب، ويُنحيّ راحة البال من الحضور ! فالحصيف يتوقع الاحترام، ولكنه لن يتفاجأ إن لم يحصل عليه من بعض من يتعامل معهم ! والفطن يتوقع أن يُرد الحب والود له كما يتمنى ولكنه لن يشترط في كيفيته وشكله وأوانه، ولا مصدره ومنبعه لأنه يُدرك أنه ليس جزاء الإحسان إلا إحسان مثله، فلن يتوقع غدراً لوفاءٍ منحه، ولا كرهاً لقلبٍ أهداه زهرة مودته ! فله من البحبوحة ما يجعله مستقيماً قد أدار عقله وفكره وشعوره، دون تعلق برفيع التوقعات، ودون خذلان إن لم يحصل على ما توقع.. فهو على بيّنة من نفسه، متفاعلاً مع غيره برحمة وحكمة لا تبالغ في المقدار ولا تُدني في الميزان ! لحظة إدراك: ما أثمن أن يعي المرء أنه متفاعل مؤثر في ظنونه، وأنه إن أحسن إدارة توقعاته، واتزن فيما لديه من التصوّرات، وتوّلى حُسن ظنه بربه وفيما يسعى له ومعه من الأنام وشؤون الحياة، دون تعلّق أو اعتماد، فإن توقعاته ستقع لأنه يدير مخاطر توقعاته، ويسير في الحياة بنور الهادي سبحانه، ويعلم جيداً في قرارة نفسه أن (كل متوقعٍ آت).. ولكن فقط إن أحسن الميزان بين حسن ظنه وفكره وشعوره.