11 سبتمبر 2025

تسجيل

ظواهر ودروس انقلابات العسكر في السودان.. وغيرها

30 أبريل 2023

لم تكن الانقلابات العسكرية في جمهوريات عربية أسقطت أنظمة ملكية وحولتها لجمهوريات وراثية، والانقلابات العسكرية عامة، الحل الناجح لتحقيق الأمن والاستقرار ورخاء الشعوب. لم تنجح انقلابات العسكر في الدول النامية على كثرتها، وخاصة في غرب أفريقيا وأمريكا اللاتينية مؤخراً، بإرساء أنظمة مستقرة وآمنة ومتطورة بل على العكس، زادت الفوضى ومعاناة بلادهم بانسداد أفق المستقبل واستشراء الفساد والتسلط. دع عنك كذبة الوعود بالعودة للمسار الديمقراطي وتمكين المدنيين. بل توغل وهيمن العسكر على سلطات ومؤسسات الدولة بحجة حمايتها والإشراف على فترة انتقالية كما يدعون واعتماد دستور وإجراء انتخابات شفافة يعقبها تسليم الحكم للمدنيين. يكرر العسكر المنقلبون خاطة الطريق الخيالية تلك بشكل دائم، أو يضعون واجهة مدنية ويتحكمون في نظامها الموالي من الخلف. وهكذا تخلى العسكر عن دورهم ومكانهم من الثكنات العسكرية وحماية السيادة والحدود للتحكم بمقاليد البلاد والعباد - بالانقلابات وانسداد الأفق! ولا يمكن إغفال الدور الخارجي الإقليمي والدولي في دعم ومساندة الانقلابات من دول كبرى وإقليمية وحتى جماعات مسلحة كقوات فاغنر في انقلابات غرب أفريقيا - ودور إسرائيل وقوى إقليمية في انقلاب السودان، الذي تحول بعد أسبوعين لمعادلة صفرية مكلفة ومدمرة!. هندس عسكر السودان سبعة انقلابات وخمس محاولات انقلابات فاشلة منذ عام 1958! وآخرها انقلابان في 4 سنوات لشركاء حرب العسكر على العسكر البرهان وحميدتي برفض تسليم السلطة بانتقال سلمي وعودة المكون المدني للسلطة، كما تعهدوا في انقلابهم الأول ضد الرئيس عمر البشير عام 2019، وانقلابهم على الحكومة المدنية في أكتوبر 2021. ما يعمق الصراع والانهيار ويفوت الفرص على استغلال ثروات السودان الهائلة كدولة محورية بموارد طبيعية وأراض خصبة. تنتج السودان من مناجم الذهب التي يسيطر عليها حميدتي حوالي 90 طناً من الذهب-ناهيك عن تعرض السودان لمؤامرة تقسيمه باقتطاع جنوبه وقيام دولة جنوب السودان الغنية بالنفط عام 2009- وُلدت هشة وحبيسة بلا إطلالة على البحار. انقلابات العسكر متشابهة. وقام العسكر بانقلابات عسكرية فاشلة في السودان وغيرها. كما في تركيا في صيف عام 2017. وسبق ذلك ثلاثة انقلابات في 1960-1971-1980-وذلك برغم فوز الرئيس أردوغان بجميع الانتخابات التي خاضها وحزبه العدالة والتنمية البلدية والبرلمانية والرئاسية منذ عام 2002، وأحدث نقلة كبيرة غير مسبوقة بتحسين مستوى معيشة المواطن التركي ورفع دخله وتسديد ديون البلاد ووضع تركيا على خريطة الدول الفاعلة بمشروع الوطن الأزرق وبقدرات عسكرية متقدمة، وتلعب تركيا دورا محوريا في الشرق الأوسط ودولياً وفي حلف الناتو. قد لا تكون الانقلابات عسكرية، شهدنا انقلابات تعديل الدساتير لتمديد فترات الرئاسة أو لتوريث الأبناء!، وانقلاب الرئيس السابق ترامب وأنصاره على الدولة العميقة والنظام السياسي في أمريكا برفض إقراره بخسارته الانتخابات! متهماً الدولة العميقة بتزوير الانتخابات، في سقوط للديمقراطية الأمريكية التي تحاضر على دول وشعوب العالم بالديمقراطية واحترام نتائج الانتخابات!. وشهد النظام العالمي 37 محاولة انقلاب عسكري وعلى الدستور منذ عام 2013، معظمها في منطقة الساحل في أفريقيا. خمسة من الانقلابات في 9 أشهر!. ما يؤكد المقولة المعروفة إن إقليم الساحل-غرب أفريقيا هو الإقليم الأكثر عرضة للانقلابات العسكرية. خلال أسبوعين من الحرب والمواجهات الدامية في السودان، وخاصة في العاصمة الخرطوم بين القوات السودانية بقيادة الفريق عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة ومحمد دوقلو-حمديتي قائد قوات التدخل السريع التي يصفها البرهان بالميليشيات القبلية المتمردة بعدما كان حميدتي شريكه في الانقلابين العسكريين على البشير وعلى الحكومة المدنية، سقط حوالي 500 قتيل وحوالي 3000 جريح منذ حرب العسكر على العسكر في حرب الإلغاء في معادلة صفرية. وخرجت 80% من المستشفيات عن الخدمة في مناطق القتال- وأعلنت منظمة الصحة العالمية أن 16% من المرافق الصحية في السودان تعمل، وسط انقطاع الماء والكهرباء ونفاد السلع الغذائية. وأغلقت وأوقفت عشرات السفارات أنشطتها وأجلت الدول العربية والكبرى والصغرى عشرات آلاف من مواطنيها. وتلعب السعودية دوراً رئيسياً في عمليات الإجلاء من بورت سودان إلى ميناء جدة على البحر الأحمر، وفر مئات آلاف السودانيين من مناطق القتال وخاصة في الخرطوم، ليصبحوا نازحين ولاجئين، وخُرقت أربع هدن والخامسة هشة. ووصل الأمر لعرض إسرائيل استضافة قائدي الصراع، وتقدمت منظمة الإيغاد الأفريقية بمبادرة لحل الصراع. والصادم بعد أسبوعين فشل المجتمع الدولي والقوى والمنظمات الإقليمية والدولية على وقف الحرب - برغم مصالح أمريكا وروسيا والصين. لذلك تثير ظواهر الانقلابات العسكرية القلق. تشير دراسة معهد السلام في واشنطن، إلى أن الانقلابات العسكرية خاصة في غرب أفريقيا، تشكل أرضا خصبة للتطرف والعمليات الإجرامية العابرة للحدود. ويعمق تمسك العسكر بالسلطة ومقاومة تسليمها للمدنيين معاناة وفشل تلك الجمهوريات. كما يخشى من تمدد الصراع والقتال خارج الدول التي شهدت انقلابات، وفي حالة السودان، هناك خشية من تمدد الحرب والقتال والفوضى، لتهدد أمن جيرانهم والأمن الإقليمي ويدفع عشرات الآلاف حياتهم ثمناً لفرارهم والهجرة بقوارب الموت عبر البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا!. لذلك تنشط المساعي في دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وفي الكونغرس الأمريكي لسن قوانين لتحد من الانقلابات وفرض عقوبات على الطغمات العسكرية المنقلبة ودعم المسارات الديمقراطية. وتتسبب الانقلابات بالفوضى والتفلت الأمني وتعطل الخدمات الأساسية وتعطل الدراسة وشلل المستشفيات، والفرار من السجون وإطلاق سراح المجرمين المدانين ليعمقوا حالة الفوضى، وشهدنا فرار قيادات حكومة عمر البشير من السجن في الخرطوم. لذلك لا تحقق انقلابات العسكر الاستقرار، دع عنك الأمن والرخاء.