14 أكتوبر 2025
تسجيلمن الظاهرات الغريبة في عالمنا العربي، أن بعض الإعلاميين لا يزالون يطلقون على مصر السيسي اسم الدولة العربية الكبرى، وأن المغردين والذباب الإلكتروني في السعودية يصرون على تسميتها بالعظمى، وكأن المصطلحين نصَّانِ مقدسان علينا القبول بهما مرغمينَ دون جدال، رغم أنهما بلا دلالات حقيقية يمكن القبول بها، وليسا أكثر من جزءٍ من منظومة الفكر السياسي الشعبوي الذي يسعى أصحابه لإبقاء الأمة العربية رهينةَ المحبسينِ: محبس الاستبداد، ومحبس التخلف الحضاري الشامل. 1) الدولة الكبرى: لا يكلُّ ما يسمى باالإعلام المصري عن النفخ في الصورة المكذوبة لمصر السيسي على أنها الدولة العربية الكبرى، وكأننا عُمي لا نرى أنها أصبحت دولة فاشلة تُدار من أبو ظبي والرياض وتل أبيب، ولا تنتج فكراً ومعرفةً، واقتصادها منهار بسبب ارتهانها لمنظومة حكمٍ فاسدةٍ باعت الأرض والغاز وحقوق مصر في مياه النيل. والمضحك، في إعلامها، أنه جعل من الاستفتاء على تعديلات الدستور انتصاراً للشعب المصري رغم أن العالم كله رأى كيف استغل النظام فقر الشعب في رشوة الناس (بكرتونة) فيها الغثُّ من أطعمةٍ مقابل حضورهم إلى اللجان ليقولوا: نعم، وكيف أجبر رجال الأمن الناس الآخرين على التوجُّه إليها ليقولوا: نعم. ثم يزداد المشهد إضحاكاً عندما لا يكتفي الإعلام بالتطبيل للسيسي والذين أتوا به رئيساً، وإنما يكذب على الشعب المصري بأن السودانيين والجزائريين يتمنون لو كان عندهم سيسي يحكمهم، وأن دول الغرب والشرق تنتظر إيماءةً من السيسي لترسم سياساتها بصورةٍ ترضيه. إنه إعلامٌ متخلفٌ في دولةٍ أوصلها نظام حكمها إلى الهامشية وانعدام التأثير الحضاري والسياسي. 2) الدولة العظمى: من المعروف أن الأنظمة السياسية العربية التي تعلم أنها لا تملك رؤيةً وطنيةً إصلاحيةً حقيقيةً، ولا تمتلك قبولاً خارجياً بسياساتها في أوساط الشعوب، تتجه، بصورةٍ رئيسةٍ، إلى تخليق شعور وطني زائف يقوم على أمرين: الأول، هو تميُّز بلادها دون أن تذكر أسباباً منطقيةً لهذا التميز. والثاني، هو العنصرية المقيتة التي تبدو في احتقار الشعوب الشقيقة، والدعوة بجلافةٍ لطرد المقيمين الذين وُلدَ أجداد وأباء بعضهم فيها. وهو ما نجده في السعودية التي يطلق عليها مغردوها وذبابها الإلكتروني لقب: العظمى، وهي تسمية فيها ضخامةٌ، و لها رنينٌ يجتذبان الأقل وعياً وثقافةً من أبناء شعبها. ونحن، عرباً ومسلمين، ننتظر منهم أن يثبتوا عظمتها بإخبارنا عن هامشٍ مرتفعٍ للديمقراطية وحرية التعبير، وعدم وجود معتقلات يُلقى فيها العلماء، والمفكرون، وحتى الذين يصمتون أو يقصِّرون في التطبيل لولي الأمر، والثناء على سياساته. وبعد ذلك، عليهم أن يقنعونا بالتزام المملكة بالقضية الفلسطينية، ووقوفها ضد صفقة القرن، وأنها ستغيِّر سياساتها التي تستأسد بها على المسلمين في اليمن وليبيا، وستعترف بخطيئتها حين شاركت أبو ظبي في حصار شعب عربي مسلم شقيق بدعاوى متهافتة. ولكنهم لن يفعلوا، لأنهم يعيشون في إطار صورة العَظَمة الوهمية التي رسمها إعلامهم وعلماء السلطان عندهم. ولذلك، نطالبهم بأن يذكروا لنا سبباً واحداً يجعل العرب يتعاطفون قليلاً مع وصفهم للسعودية بالعظمى. 3) الدولة المتوهِّمة: تشكل أبوظبي حالةً فريدةً في التاريخ البشري، لأنها توهمت، خلال السنوات الثماني الماضية، أنها دولة عظمى، فانخرطت في مغامرات عسكرية خارجية لم تستطع إدارتها بكفاءة، ولا تستطيع إنهاءها بصورة تحفظ لها بقيةً من ماء الوجه. ومما يثير السخرية، أنها تستوحي النموذج البرتغالي الاستعماري، في القرن الخامس عشر، لتسير على خطاه. فالبرتغال أنذاك، والإمارات اليوم، تتشابهان في وجود النزعة الاستعمارية، وفي عدم وجود الكادر البشري الكافي لتحقيق الحلم الاستعماري. وكلاهما، قامتا باحتلال الموانئ والجزر الاستراتيجية، وأفسدتا ذمم الحكام والقادة، ومارستا الجريمة المنظمة ضد الشعوب. ولم تستطع البرتغال بناء إمبراطورية، ولا تستطيع أبو ظبي ذلك. وكما انتهى الاستعمار البرتغالي بانكفاء البرتغال داخل حدودها، سينتهي الحلم الظبياني، وستعود أبوظبي لحجمها الحقيقي غير المؤثر عسكرياً وحضارياً. ◄ كلمة أخيرة: تقاس الدول بتأثيرها الحضاري وليس بأوهام لاتصنع واقعاً. [email protected]