10 سبتمبر 2025
تسجيلقطر والاقتصاد كلمتان متلازمتان في العناوين الدولية، إمكانات قطر في مجال الغاز والنفط وقوة اقتصادها أمر معروف للجميع، إلا أن وراء هذا الواقع الذي لا شك فيه مشروعاً متيناً يمتد لأبعد بكثير من الموارد الطبيعية، فبدلاً من الاستمتاع بالحاضر بلا هموم، قطر اختارت النظر نحو المستقبل والمراهنة على نظام مسؤول ورشيد. لكن قبل التعمق في الاقتصاد القطري، لابد من الإشارة إلى الوضع الراهن الذي تعيشه الدولة منذ 5 يونيو 2017، منذ نحو عام قررت السعودية والإمارات ومصر والبحرين قطع علاقاتها مع قطر متذرّعة بأسباب خطيرة ثبت بطلانها وزيفها بشكل حاسم لا لبس فيه، ويعاني منذ حينها، الشعب القطري من حصار غير قانوني وغير إنساني هدفه تضييق الخناق على الدولة، حيث تسعى دول الحصار لعزل قطر وتجنب حصولها على البضائع والمواد الأساسية مثل الغذاء والأدوية. للأسف، اختارت بعض دول الجوار عقاب قطر بدلاً من الاحتفاء بالقيمة المضافة التي يمنحها للمنطقة تنظيمها لحدث مهم بحجم بطولة كأس العالم 2022. إلا أن هذه الدول لم تتوقع رد حكومة قطر السريع والفعال، حيث استطعنا تجاوز تبعات الحصار في أقل من أسبوع، وبحثنا عن سبل بديلة للاستيراد وأسسنا طرقاً تجارية جديدة حتى عادت حياة السكان إلى مجراها الطبيعي. على الرغم من كافة الصعوبات، كان 2017 عاماً استثنائياً بالنسبة لقطر على كافة الأصعدة، خاصة من الجانب الاقتصادي، حيث حققت الدولة نمواً بنسبة 1.9% في إجمالي الناتج المحلي للفصل الثالث من عام 2017، وكافة المؤشرات تدل على أن قطر ستشهد تطوراً غير مسبوق على هذا الصعيد في عام 2018، مما يثبت أن تحدي الحصار جعل قطر أقوى وأكثر حصانة. إذا ما حلّلنا اقتصاد قطر بتأن، سنجد بلا شك أن للغاز والنفط فضلاً كبيراً في المكانة التي حققتها الدولة اليوم. إلا أننا ندرك تماماً أن الموارد الطبيعية محدودة ومتناهية، وبالتالي بات "التنويع" بوصلة اقتصادنا، ومن أبرز قطاعاتنا الأخرى: البحث العلمي، الأمن الغذائي، التعليم، الصحة، السياحة، الخدمات اللوجستية، التسويق والنقل، ونأمل بحلول عام 2030 أن يتجاوز دخلنا من هذه القطاعات وغيرها إيرادات الغاز التي تشكل أكثر من نصف إجمالي الناتج المحلي. وبالنسبة لقطاع الزراعة والماشية، فهو يعد أحد محاور الاقتصاد القطري الرئيسية. سيسهم نمو هذا القطاع، إضافة إلى مراهنة الحكومة على الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، في تحقيق استقلالية أكبر لقطر في هذا المجال. كذلك ستشهد قطاعات التعليم والصحة والبناء نمواً كبيراً، كما أن البنية التحتية الحالية تضمن حركة الأشخاص والبضائع في كافة أنحاء قطر وخارج حدودها، ولا شك أن التحضيرات لبطولة كأس العالم 2022 أسهمت في تعزيز هذا القطاع بشكل كبير. لابد من التطرق أيضاً لأهمية البحث العلمي والسياحة، حيث من المرجح أن يتجاوز عدد السياح 7 ملايين بحلول عام 2030، كما تم افتتاح مكاتب لقطر في كافة أنحاء العالم، وأعلنت الحكومة عن إعفاء مواطني 80 دولة من تأشيرة الدخول. وستتابع قطر استثماراتها في مختلف دول العالم، بما في ذلك إسبانيا، وستعزز الاستثمار المحلي والأجنبي داخل أراضيها من خلال تحسين شروطها وتقديم التسهيلات كي تجد فيها العديد من الشركات مكاناً مثالياً للعمل. وفي هذا السياق، أود الإشارة إلى العلاقات الثنائية الممتازة بين إسبانيا وقطر، حيث تعد إسبانيا أحد مستوردي الغاز الطبيعي القطري الرئيسيين، كما ازدادت نسبة الصادرات الغذائية الإسبانية إلى قطر منذ بدء الحصار، دليل آخر على التناغم الكبير بين الدولتين هو وجود أكثر من مائة شركة إسبانية في قطر، وافتتاح مركز إيبردرولا للابتكار مؤخراً في بلادنا. وأنا على قناعة تامة بأن علاقاتنا ستستمر بالنمو وستصبح أكثر متانة في المستقبل. أخيراً، لابد من الإشارة إلى مفهوم "اقتصاد السلام"، الذي يعد ركيزة الاقتصاد القطري. يرتبط هذا المفهوم بالحكمة الصينية: "لو أعطيت الرجل سمكة فسيأكل اليوم، أما إذا أعطيته سنارة وعلّمته الصيد فسيأكل كل يوم". أولويتنا هي بناء نظام يضمن التطور المستدام ويكافح عدم التوازن في منطقتنا. عند الحديث عن "اقتصاد السلام" نتكلم عن "اقتصاد المستقبل"، إذ فضلاً عن تقديم المساعدات الإنسانية المباشرة والضرورية في ظل الظروف الحالية، لابد أيضاً من الاستثمار في المجتمع المدني ورأس المال البشري والتطور المستدام والابتكار. كذلك علينا أن نلعب دوراً فاعلاً في إيجاد حلول سلمية وفضّ كافة أنواع النزاعات. عانت منطقتنا على مر العقود من نسب البطالة العالية والأميّة وعدم المساواة الاقتصادية وانعدام العدالة الاجتماعية. المراهنة على تعليم شبابنا وضمان المساواة بين الجنسين ودعم المبتكرين هي أفضل السبل لضمان مستقبل مزدهر ليس على المستوى الاقتصادي فحسب وإنما على المستوى الإنساني أيضاً.