10 سبتمبر 2025

تسجيل

قطر والدبلوماسية الثقافية

02 نوفمبر 2020

كثر الحديث مؤخرا عن الدبلوماسية الثقافية، رغم انها ليست بالامر الجديد فتاريخها موغل بالقدم، وباتت اليوم في ظل النزاعات التي تعصف بالعديد من بقاع العالم ضرورة لا غنى عنها، وتطور فهم التعددية والاختلاف بحيث صار ينظر اليها كثروة تغني البشرية وتؤسس قنوات للحوار كجزء من العمل الدبلوماسي، كما تشكل الدبلوماسية الثقافية أحد أهم أشكال العلاقات الدولية المعاصرة التي يعتمد عليها السلك الدبلوماسي في عمله لتعزيز العلاقات الثنائية، باعتبارها تقوم على تبادل القيم والأفكار الثقافية السامية وتهدف إلى تعزيز التفاهم والاحترام بين الأمم والشعوب. ففي عالم يضج بالحروب والنزاعات، ويواجه خطر تآكل التعددية الثقافية لمصلحة الفكر الاحادي المتعالي، ما عادت الدبلوماسية الثقافية ترفاً بقدر ما صارت ضرورة وحاجة، لإثراء التحاور والتنوع بين القيم المشتركة للمجتمعات البشرية، كما تبرز أهميتها الخاصة باعتبارها نقطة التقاطع بين تفاعل الثقافات وبما يوسع من آفاق التواصل بين مختلف أطرافها وألوانها، ويؤدي بالتالي إلى بناء وتوثيق الصداقات والتقارب بين الشعوب. وبذلك فهي أكثر رحابة من دبلوماسية السياسة التي يقتصر غرضها على تعزيز المصالح وفتح أبواب التعاون بين الحكومات، وبهذه الميزة يتفوق التبادل الثقافي ويتسامى على سائر اشكال التخاطب والعلاقات بين الشعوب والأمم، باعتبار أنه لا يحتفي فقط بالمشترك بين الثقافات، بل أيضاً وأساساً بالفوارق والقيم التي تُمايزها عن بعضها البعض. ففي التمايز تكريم للتنوع الذي يثري بتلاقح جوانبه التراث الثقافي لسائر الحضارات، وأوضح عالم الأنثروبولوجيا الفرنسي ليفي ستروس "إن الثقافات وإن اختلفت، فإنها لا تفاضل بل تتنوع"، وان التعاون والتفاهم بين الثقافات يعززان الانتماء الى الانسانية، كما أصبحت الدبلوماسية الثقافية عنصرا أساسيا في تعزيز العلاقات الاقتصادية عبر الترويج للمنتوج الاقتصادي وتشجيع الاستثمار في المجالات التعليمية والصحية والبحثية والتكنولوجية. ولتحقيق الأهداف المرجوة من الدبلوماسية الثقافية يتطلب وضع استراتيجية وطنية وتشكيل رؤية مشتركة بين المؤسسات المعنية والتنسيق فيما بينها، والعمل على تدريب الكادر الدبلوماسي وإيجاد إدارة متخصصة بوزارة الخارجية وانشاء مراكز ثقافية ومنصات الكترونية. ووفقا لهذا المفهوم، وضعت قطر الدبلوماسية الثقافية في موضع القلب في سياستها، وأعادت توجيه طاقاتها خلال السنوات العشر الأخيرة، وحققت نجاحا كبيرا مبنياً على أسس تتعدى السياسة والاقتصاد، وتعتمد على محورين مختلفين ومتكاملين في ذات الوقت، الاول هو اقتصاد السلام، اي المراهنة على الاستثمار في المجتمع المدني، الثاني هو الدبلوماسية الثقافية لتشييد الجسور بين الشعوب وتخفيض التوترات. وفي هذا الإطار، بذلت وزارتا الخارجية والثقافة والرياضة جهوداً لترجمة التراث الأدبي العالمي، كما أقامت المعارض واستضافت المهرجانات السنوية للاحتفال بثقافات مختلفة من سائر أنحاء العالم وتكريمها، وانطلاقاً من إدراكها لأهمية اللغة في مجال التبادل الثقافي، عكفت "مؤسسة قطر الدولية" على تعزيز شأن اللغة والثقافة العربية في مناطق مختلفة من العالم، كما قامت سفارات الدولة برعاية عدد من الاحتفالات الرامية إلى الترويج للدبلوماسية الثقافية في صفوف الجيل الصاعد، ولعبت دور الجسر الرابط بين الشرق والغرب، وإبراز مساهمة الثقافة العربية في مسيرة الحضارة البشرية. وأدركت قطر مدى التفاعل بين السياسة والثقافة، وكانت السباقة في طرح فكرة تنظيم لقاءات ثقافية عديدة، وانعكست تعبيرات هذا التوجه على الساحة المحلية والدولية وبات الحوار الثقافي يشكل العمود الفقري لدبلوماسية قطر الثقافية. وتجلى ذلك في فعاليات متنوعة منها مركز حوار الاديان ومنتدى الدوحة ورعاية برامج لتمكين المرأة والشباب للعب دور قيادي في التنمية الاجتماعية والاقتصادية. وفي هذا الإطار تجدر الإشارة الى مبادرة "دع الفتيات ليتعلمن لغة" Let Girls Learn برعاية "مؤسسة قطر"، واعتبار الرياضة لغة عالمية تتجاوز الحدود وتفتح قنوات الحوار والتفاهم، وتحقق التقارب بين الشعوب بغض النظر عن الأيديولوجيا والدين والعمر والحضارة. قصارى الكلام، تعد الدبلوماسية الثقافية جزءا من القوة الناعمة، وهي أفضل السبل لتوحيد الشعوب، فبعيدا عن الفجوة التي تخلقها احيانا الايديولوجيات، تساهم الموسيقى والفن والسينما والمسرح والرياضة والمطبخ في التقريب بين الثقافات وتتجاوز كافة الحواجز مهما كانت. إن حماية التنوع الثقافي ورعاية التفاعل بين أجنحته ومصادره هو الانعكاس الأهم للانفتاح والتقدم في العالم وان الدبلوماسية الثقافية هي خير أداة لحماية وإثراء هذا التنوع الإنساني الراقي. سفير في وزارة الخارجية