14 سبتمبر 2025
تسجيلالعديد من العناوين تتنزل علينا كالأمطار بدون توقف طيلة العقود الماضية "إشكاليات العلاقة بين الإسلام والغرب"، "الغرب وإشكالية الخطاب الديني الإسلامي"، "مستقبل العلاقات بين الإسلام والغرب"، والقائمة لا تنتهي.. في الأربعينيات من القرن العشرين، أطلق الشاعر الإنجليزي "الهندي المولد" روديارد كبلنج قصيدته المشهورة التي جاء في أحد مقاطعها أن (الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا)؟!الشرق والغرب هما مفهومان متخيلان "imagined concepts" أو مبنيّان بناءً باستثناء البعد الجغرافي في تعبير شرق أو غرب، فهناك اختلاط معقد للمفهومين من الناحيتين الثقافية والتاريخية كما يذكر الدكتور صبحي حديدي. وهو يرى أن هناك تزييفاً كبيراً وتنميطات كثيرة، هناك ما يشبه الإجماع على أن الغرب الذي نعرفه، بمعناه الحضاري والسياسي والجغرافي قائم على ركيزتين مهمتين، هما الحضارة اليونانية الكلاسيكية والكتاب المقدس، لكنه في الحالتين، سواء الفلسفة اليونانية أو الكتاب المقدس، يرى أن الأصول شرقية. بمعنى أن اليونان روحها شرقية حتى وإن كان جسدها اليوم يقع في أوروبا. وهذه أولى ملامح الاختلاط من وجهة نظره في الجذور أو في الركائز الكبرى للغرب!إن عالم اليوم يعيش أكثر من أي وقت مضى ظاهرة تداخل الحضارات كما يشير الدكتور محمد عابد الجابري، وهي بارزة في كافة المجالات بحيث لا نجانب الصواب إذا نحن قلنا إن العالم اليوم يعيش حضارة واحدة تشارك فيها جميع الشعوب (هل يجوز مثلا تجاهل دور العمال الأجانب في إعادة بناء أوربا بعد الحربين العالميتين؟ وهل يجوز تجاهل دور الأدمغة المهاجرة سواء في أوربا أو أمريكا؟ وهل يمكن فصل المصنوعات اليابانية /الكورية /التايلاندية/ الصينية عن المصنوعات الأوربية/الأمريكية؟ ثم هل يمكن نسيان أن الحضارة الحديثة تدين في وجودها للحضارات الشرقية القديمة وأنها ترتبط مباشرة بالحضارة الإسلامية؟ ينوه الجابري بأن العالم اليوم يعيش حضارة واحدة شاركت وتشارك جميع الشعوب في صنعها، وبالتالي فهي حضارة إنسانية بمعنى أنها من صنع الإنسانية جمعاء طوال تاريخها المديد.