14 سبتمبر 2025

تسجيل

التغريبة السورية 2-3

30 أبريل 2013

أشهر محمد المطرود قلبه في وجه الحياة، بابتسامته وحزنه وقصيدته، أتمثله حين أستعيد نص الشاعر محمد سيدة: " لهفتي عليكِ / مأساة شاعر / نازل الهواء/ بسيف الكلمة الطيبة". ثمة شعراء كثيرون يكتبون نصوصاً جيدة وربما رائعة، ولكن محمد المطرود قصيدة تمشي على الأرض، بروحه التي ترفرف في فضاء المشهد السوري، خصوصا في الجزيرة السورية حيث يشكل المطرود أيقونة محبة تتقاطع عليها خؤولته الكردية ودماؤه العربية، وبين هاتين الضفتين تشكل عالم محمد المطرود، نهراً من ألفة وحزن كنا نقرؤه جميعاً، كوطن صغير تحطّ فيه حكايات الأسرة التي غادرتها الأم باكراً، قرأنا ذلك في مجموعته الأولى " ثمار العاصفة" التي قدمته إلى المشهد السوري شاعراً مكتمل الأدوات، يروض قصيدته كسائس عجوز، أتقن لعبة الوجع والحلم، وأدمنها، قبل أن يضيف مجموعته " سيرة بئر" التي يطوّر فيها تجربته الشعرية ذاهباً في سؤال الهوية والوجود معاً مذهباً جديداً، يسعى فيه إلى رسم إحداثيات روحه، في الوقت الذي يجري فيه جردة حساب مع الماضي. ثم ديوانه الأخير " ما يقوله الولد الهاذي". ينتمي المطرود إلى جيل التسعينيات السوري، كأحد المشتغلين على قصيدة النثر، وذلك في خضمّ الوهج الإعلامي الذي حظي به السوريون من شعراء قصيدة التفعيلة، مما عرض قصيدة النثر نسبياً للتهميش، ولكن محمداً ظلّ وفياً لنصه، ماضياً في زرع الكلمة الطيبة، في الوقت الذي بدأت تتشكل فيه ألفة طيبة في مدينته القامشلي بين أدباء شباب يحلمون بمدينة ترتقي فوق العصبيات الإثنية، فكنا نجتمع في مقاهي المدينة، أو في بيته، أو في عيادة الشاعر أديب حسن محمد، في لقاءات تضمّ أحمد الشمام (الشرابي) وعمار الجمعة (الطائي) وأديب حسن محمد(الأومري)، ومحمد المطرود (الشمري) والضيوف القادمين إلى المدينة من سفر طويل. وقد نجح هؤلاء الشباب مع كثير من أصدقائنا في تأسيس مهرجان القامشلي للشعر، الذي ضمّ أهم الأسماء الشعرية والنقدية في البلاد. في غربته الأولى (الكويت) لم تكتمل التجربة أكثر من سنة، رغم كثير من النصوص التي أضيفت إلى تجربته: " كما لا أثر لفقد في حياتي/ حركني الشوق هذا الصباح/ باتجاه حديقة ليل البارحة/ كان الخريف قد مرّ بالشجرة في غيابي/ وعلق اسمي مع ما علق من الريح/ رميت سهما صوب عدوي/ لم أسمع صوته". أو كالنصوص التي تلته فيما بعد، والتي يتداخل فيها السردي والشعري، وتكشف عن حنين قاسٍ لقريته في (جنوب الردّ) وهو مصطلح جغرافي، لمنطقة تخاصر شمال غرب العراق، تعاني دائماً الجفاف والقحط: "وأنا لست بربريا، أنحدر من غبار الجنوب وأصوات مهربي الدخان ليلا، الرصاص، كواشف الضوء، والساتر الحدودي، ثمة ما أقوله لهم وما يقولونه لي، فتتوقف الحافلات... ويقول عمار الجمعة: اكتب قصيدتك البربرية فأقول: أين القصيدة، لأهرب من ظلي في الليلة المقمرة هناك؟، النهار يلزمه الكثير حتى يلحق بنا وتكتمل دورة الدهشة فلا تخف، وقل ما أقلنا وما أسعدنا!". شارك محمد في الحراك السوري مبكراً، وتعرض للملاحقة فآثر الهجرة ميمّماً أرض غوته وتوماس مان وغونتر غراس، تاركاً ابنته هناك، ولا يجد ما يقوله لها في يوم ذكرى ميلادها الثاني، إلا مقطعاً يغرق في الألم والشعرية: " بابا" نشيدُ يَارا الصباحي، تُردِدُهُ لي كتلميذةٍ نجيبةٍ، وأسمعُهُ نافضاً كُلَّ تعبِ الحياةِ في منفضةِ السجائرِ التي لا أدخنُها، اليومَ تُتِمُ يارا سنتَها الثانيةَ بلا يدِ الأبِ وبلا مستمعٍ إلى النشيدِ، يا الله ما أكبرَ دمعتي هذا الصباح"!!