11 سبتمبر 2025
تسجيلقصة حقيقية وقعت في إحدى الدول العربية بين أم وابنها ذي الأعوام التسعة! غض طري، يلهو ويلعب كما يلهو أقرانه ويلعبون، لا يعرف شيئا اسمه تعب الأم، ولا يدري عن معاناتها شيئا، طلبت منه أمرا فتكاسل ثم تمرد وعاند وغضب وخرج من بيته متمردا على أمه. فقالت له في ثورة غضبها: اذهب، لا ردك الله سالما!. كلمة خرجت منها على عجل، بلا قصد ولا إرادة، تقول كما تقول آلاف الأمهات دون وعي أو إدراك؛ لكن الفاجعة كانت في النتيجة، لقد وافق دعاؤها ساعة إجابة فكان لها ما طلبت! فلم يمض على الدعاء دقائق حتى سمعت صوتا مزعجا عنيفا لسيارة تحاول الفرار من قدر مكتوب، وأنى لها ذلك. خرجت الأم مسرعة لتجد زهرة عمرها وثمرة فؤادها يتلوى بين عجلات السيارة وبعضها، وتتردد أنفاسه الأخيرة بين تأوه وصراخ وعويل، لم تستطع الأم دفع ما وقع ولا تسكين الألم عن الولد حتى فاضت روحه. انهارت الأم ودخلت في غيبوبة حتى صارت إلى الجنون أقرب منها إلى العقل، ولا زالت حتى اليوم لا يدرى عنها ميتة أم حية، عاقلة أم مجنونة، مدركة أم مغيبة، نسأل الله أن يتولاها برحمته.هذه الواقعة نذكرها لكل أب أو أم اتخذ من الدعاء على الولد وسيلة تقويم أو تخويف أو رغبة في الإصلاح أو ربما إخراج لبعض الغيظ المكتوم! دعوات يعتقد أنها لن تقبل ما دامت غير مقصودة! متغافلا قول النبي -صلى الله علي وسلم-: "لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَوْلادِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى خَدَمِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لا تُوَافِقُوا مِنْ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- سَاعَةَ نَيْلٍ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ" والنهي هنا كما ذكر أهل العلم للتحريم، وساعة الإجابة لن تفرق بين قاصد وغيره، ولا بين غاضب وهادئ.قد يقول قائل إن أهل العلم ذكروا أن الدعاء على الولد من غير قصد لا يقبل؟ والجواب: أن الأصل في الدعاء الإجابة (ادعوني أستجب لكم)، وعدم الاستجابة استثناء من أصل عام، قال -تعالى- ﴿وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ﴾ والمعنى أن الله يلطف بعباده فلا يستجيب لهم ما لم يقصدوه من الدعاء في حال ضجرهم خلافا للقاعدة العامة التي تقضي بأن كل دعاء مستجاب. والغافل حقا من لم ينتبه إلى ذلك ولم ينصت إلى نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم.ألا فليحذر الآباء والأمهات من مغبة الدعاء على الأولاد، وأن يستبدلوا ذلك بالدعاء لهم دون ملل أو كلل، حتى إذا أتت ساعة الإجابة كان لهم ما أرادوا وزيادة.الحياء لا يأتي إلا بخير