28 أكتوبر 2025
تسجيلانشغلت في الأيام الماضية، ولساعات عدة، بقراءة المجموعة القصصية المعنونة: فن التخلي، وهي أول إنتاج إبداعي للكاتب الشاب عبد الله ناصر، بعد سنوات من القراءة الدؤوبة الجادة، والتعليق على الكتب في المنتديات، ومواقع الإنترنت، والسياحة بآراء جيدة وواعية، في كل ما يخص الأدب، وأيضا المشاركة في مجموعات القراءة التي باتت الآن نشاطا مرموقا بالنسبة للشباب، حيث يتم اختيار كتاب ما، وتتم مناقشته. أهم ما يميز مجموعة فن التخلي، أنها جاءت بعالم جديد في الكتابة، عالم مصنوع بدقة ومهارة، وتبدو المفردة فيه، شديدة الالتصاق بمكانها ولا يمكن تحريكها أو استبدالها بأي حال من الأحوال. وإن كانت القصة القصيرة قد استهلكت، وتلاشى صيتها منذ زمن، ثم جاءت القصة القصيرة جدا، وأصبحت أداة تعبر عن حالات سرور أو سخط أو انفعال سريع وتمضي، فإن المجموعة، أعني فن التخلي، كان من الممكن أن تصنف مجموعة للقصص القصيرة جدا، لولا أن عالمها كان غنيا ومختلفا، حتى وهي تكتب بتلك الطريقة القصيرة جدا. لقد عنيت بصناعة العالم، أن الكاتب الذي يولد حديثا، يولد وحده بلا تأثر كبير أو أي تأثر بمن سبقه، ولطالما ناديت بضرورة وجود بصمة تميز مبدعا عن آخر، تماما مثل بصمات الأصابع أو بصمات العيون التي أدخلت إلى نظام التعرف على الناس والتفرقة بينهم مؤخرا. لا يكفي أن يجلس أحدهم ساعات وأياما وأشهرا ليكتب رواية، فيها أبطال ومواقف ومجتمع وشخوص، ودلالات معينة، ثم ينشرها بوصفها رواية مهمة، وتكون مع الأسف رواية فيها كل الأركان المطلوبة لكتابة الرواية، ولكن بلا وجه مختلف، ينظر إليه القارئ، ويميز قسماته عن سواه، أو بلا روح مختلفة يتذوقها القارئ المتعمق ويحس بالطعم الغريب، الجديد، الذي يقود خلفه كاتبا جيدا، وأظن أن جابرييل ماركيز، لم يبهر العالم بهذه الطريقة، إلا بسبب بصمته التي ولد بها.