14 سبتمبر 2025
تسجيلهناك سؤال قديم يطرح عليّ دائما وبشكل متكرر من قبل المحاورين، وبعض القراء الذين ألتقيهم أحيانا في ندوات أدبية، ويمكن أن يسأل فيه كل من بدأ سكة الكتابة شاعرا ثم اتجه بعد ذلك لكتابة الرواية: ما الذي يمكن أن تقدمه الرواية، ويعجز الشعر عن تقديمه؟في الحقيقة يبدو السؤال لي مجحفا في صياغته، وهو يقارن بين ما يمكن أن يقدمه صنف من الإبداع على حساب صنف آخر، فالشعر والقصة والرواية والموسيقى والنحت كلها أصناف من الإبداع اكتشفها الإنسان ويعبر بها عن حياته بخيرها وشرها، فالموسيقى تعبر والرسم يعبر والنحت وكذلك الأدوات الأخرى.لذلك لن نقول إن الرسم بألوان الزيت أفضل من الرسم بألوان الماء، ويفوق النحت في التعبير، وسنتذوق كلا من هذه الفنون على حسب طبيعته، وننبهر به بحسب دفقات الانبهار التي يرسلها.إجابتي على سؤال الشعر والرواية إذن من المفترض أيضا أن لا تقدّم صنفا على صنف، فالشعر له ميزة ابتكار الصور الفنية العالية الجودة، والسمو بالمفردات العادية لجعلها تحلق بعيدا، وهو أساس نبش الخيال وإعادة إنتاجه، وهو إيضا ركيزة في فن الغناء الذي نعشقه جميعا.فحين تقرأ قصيدة مثل "مديح الظل العالي" لمحمود درويش، أو"أعشاب صالحة للمضغ" لمحمد سليمان، أو أي قصيدة أخرى لأحد الشعراء المجيدين، تحسّ بتلك الأجنحة التي ارتدتها المفردات وحلقت بها، وتحس أيضا بأن لديك جناحين تشارك بهما في التحليق.وبالرغم من أن محاولات عديدة وكثيفة جرت لتخريب الشعر في السنوات الأخيرة وأفقدته الكثير من هيبته القديمة، وتشرد كثير من متذوقيه، فإن وقع القصيدة الحقيقية يبقى، وما زال ثمة شعراء يكتبون تلك القصيدة الواعية، وتوزع كتبهم أفضل من الكتب السردية.أيضا هناك مواضيع هامة يمكن أن يلخصها الشعر في ومضة، بينما تحتاج لرسم مجتمع وشخصيات وحوادث من أجل الحديث عنها في الرواية.