11 سبتمبر 2025
تسجيلالمسافات توجد من حولنا وبيننا كأفراد وجماعات في العمل، في العلاقات، وتحيط بنا من كل جهة، فماذا نحن فاعلون يا ترى؟ في الشارع لابد من ترك مسافة، بين الكلمات مسافة ونضع الفاصلة وإذا اختصرت المسافة لن تفهم المعنى ولن نستطيع الكتابة أنت ونستخدم النقطة في نهاية السطر، لوحدك تضع المسافة وتحددها وترسمها. وفي حياتنا أمثلة أخرى على أهمية المسافة فمثلا كما للسيارات الحديثة حساسات لاستشعار مدى اقتراب سيارتك من السيارة التي تقترب منها جدا وممكن أن تسبب اصطدام سيارتك بها أو بالجسم الذي أمامك ومزود بإشارات على الكاميرا وصوت يستطيع قائد السيارة سماعه فينتبه إشارات تحذيرية، وفي هذا دليل على وجود المسافات. كما أن حركة الحياة كلها تعزز وجود مسافات بين البشر والأشياء وحتى في الطبيعة هناك مسافات. ولو عدنا إلى ديننا الإسلامي لنستمد بعض الأمثلة منه، لوجدنا أن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ضبط المسافات بينه وبين أصحابه فلكل له تعامل خاص لا يشبه الآخر فالتعامل مع سيدنا أبوبكر الصديق ليس كما التعامل مع الفاروق عمر بن الخطاب ويختلف عنه مع ذي النورين عثمان بن عفان الذي تستحي منه الملائكة. فلماذا لا نطبق مبدأ المسافات في حياتنا؟ إذن ما الحل؟ الحل هو إتقان فن المسافات في الحياة متى تبتعد؟ متى تقترب ليكون لحضورك معنى وغيابك موقف. إن من الخطأ الكبير أن تختصر مسافة على سبيل المثال زميل عمل وتنقله إلى دائرة أوسع منه وهو لا يستحق المكانة فيخذلك بعد أن وثقت به وتتأثر منه، السبب خطؤك لأنك لم تقدر أهمية المسافة.. وأنها أمان. ولكن ماذا عن فكرة "المسافة صفر؟" المسافة صفر هي المسافة التي يُقتل فيها الإنسان دون أن يستطيع أن ينقذ نفسه أو يدافع عن نفسه، قد يحصل أن نعطي شخصا أو مجموعة هذه المسافة الصفرية بغير أدنى شك سوف يؤذينا. على سبيل المثال كلنا قرأنا وسمعنا عن المغدور بندر القرهدي، رحمه الله، في الأسبوع الماضي والذي قتله أصدقاؤه غدراً في سيارته بعد أن ربطوه وأحرقوه بسيارته وكانت آخر كلماته "أنا أخوك تكّفى أنا شسويت" ومات بعدها بالمستشفى. ونستخلص من هذا الدرس عدم تحويل هذه المسافة الآمنة بينك وبين الطرف الآخر إلى المسافة صفر بيديك فتكون أنت السبب فيما قد يحدث من مشاكل. يكمن الخطأ في أننا نحن من سمحنا لهم بالاقتراب لدرجة لا يمكن تفادي الأذى منهم. بعض العلاقات واضحة جدا أنها متغيرة ومتذبذبة وكانت هناك إشارات واضحة للحذر، لذلك لابد أن تكون هناك مسافة آمنة جدا لحماية نفسك. حافظ على المسافة بينك وبين من تحب حتى لا تفقده، وحافظ على المسافة نفسها مع من تعلم أنه قد يؤذيك، إن علاقاتنا ربما قد تعيش كل الفصول بحلوها ومرها ولكن يجب ألا تهمل المسافة. بعض العلاقات تتطور سريعاً دون الأخذ بعين الاعتبار لأي مسافة حتى تصل العلاقة إلى المسافة صفر فيكون حجم الاصطدام بحسب سرعة هذه العلاقة والإصابات بكسور أو جروح بحسب شخصية وأخلاق وبيئة الأطراف. نعيش اليوم في عالم تستطيع أن تختار ما تريد، الارتباط، الإلغاء، بإمكانك اختيار أصدقائك، حلفائك، أعدائك. الحل خير الأمور الوسط، كتعامل مجموعات القنافذ في حالة البرد وتبحث عن الدفء برغم وجود الأشواك. إذن.. لا تقع في فخ المسافة صفر، ولكن كن في مسافة أمان من الود والاحترام والحب. بعض الأشياء لو اقتربنا منها كثيرا كانت أبشع فالقمر جميل من بعيد، والشمس دافئة من بعيد، لو اقتربنا قليلا لاحترقنا. السؤال بعد ذلك كله: هل ستسمح لهم مرة أخرى أن يعيشوا معك دون مسافات؟ في النهاية بعض العرب ودك حد المعرفة سلام! كل هذا وبيني وبينكم...