10 سبتمبر 2025

تسجيل

عودة الاتفاق النووي الإيراني.. الفرص والتحديات

29 ديسمبر 2020

صرح الرئيس المنتخب جو بايدن أكثر من مرة أثناء حملته الانتخابية بالعودة السريعة إلى الاتفاق النووي الإيراني الذى أبرمته إدارة أوباما مع إيران في 2015، الذي ألغته إدارة ترامب في 2018، في حال عودة امتثال طهران لبنود الاتفاق. الديمقراطيون عموما، وليس بايدن فقط، لديهم رؤية خاصة مفادها إمكانية إقناع إيران بالتخلي عن برنامجها النووي إذا أعطيت الأخيرة ضمانات قوية بالنهوض باقتصادها وفك عزلتها مع الاعتراف بدورها الإقليمي في المنطقة. ففي سياق ذلك، وجه بايدن انتقادات لاذعة لترامب على خلفية الانسحاب من الاتفاق، واصفا قرار الانسحاب بالمتهور ولن يقوض طموحات إيران النووية. رغم النبرة الحماسية لـ"بايدن"، والتي تقابلها تصريحات خجولة من قبل طهران بشأن إمكانية العودة، إلا أن العودة السريعة للاتفاق لن تكون بالأمر السهل، حيث جرت الكثير من المتغيرات والتحديات على أصعدة عدة جعلت فرص العودة للاتفاق ضئيلة للغاية، بعدما فرض ترامب عقوبات اقتصادية قاسية غير مسبوقة على طهران شملت "تصفير صادرات النفط الإيرانية" كبدتها خسائر بمليارات الدولارات، وإدراج الحرس الثوري الإيراني وحزب الله على لائحة العقوبات الأمريكية إلى جانب عقوبات تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، وتطوير الصواريخ الباليستية ودعم الإرهاب، من غير المتوقع أن تقبل طهران العودة للاتفاق دون الرفع الفوري لهذه العقوبات، بل ربما قد تذهب أبعد من ذلك مطالبة بتعويضات بمليارات الدولارات عن تلك الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها جراء تصفير النفط، ورفع اسم الحرس الثوري وحزب الله اللبناني من قائمة العقوبات. تلك الشروط من الصعب للغاية أن تلبيها إدارة بايدن بشكل كامل في ظل هيمنة جمهورية على مجلس الشيوخ، وتأييد قطاع لابأس به من الديمقراطيين في مجلس النواب لهذه العقوبات خاصة المتعلقة بحقوق الإنسان ودعم الإرهاب وإزالة حزب الله اللبناني من لائحة العقوبات. لم يخرج عن طهران تصريحات رسمية في هذا الشأن خاصة من قبل الرئيس حسن روحاني الداعم بشدة للعودة للاتفاق، لكن وضع روحاني الآن يختلف كليا عن وضعه في 2015، حيث يواجه معارضة قوية من المحافظين في الانتخابات المقرر إجراؤها في يونيو 2021، مما سيضطره إلى التشدد في تلك المطالب لكسب أرضية شعبية في ظل ترجيحات قوية بفوز المحافظين، ناهيك عن ذلك، ففوز المحافظين في حد ذاته الرافضين لأية اتفاق نووي من الأساس، سيجعل العودة للاتفاق أمراً شبه مستحيل. مؤخراً، جرت أيضا عدة متغيرات جوهرية تصعب على نحو كبير العودة للاتفاق، أو بعبارة أكثر صراحة ستشدد من موقف إيران حيال برنامجها النووي؛ واحدة من أهم هذه المتغيرات التصعيد الإيراني-الإسرائيلي على خلفية اغتيال العالم النووي فخري زادة واستهداف إسرائيل لأهداف إيرانية في سوريا. تعرف إسرائيل جيدا أن إثارة هذه الأزمات من شأنها دفع طهران إلى حالة تصعيد مما يعيق أية تقارب بين واشنطن وطهران. وإن كانت إيران معروفة بـ(برجماتيتها) العالية، إلا أن تخلي إيران تماما عن الانتقام خاصة لمقتل زادة وقبله قاسم سليماني أمر غير مقبول على الإطلاق للشارع الإيراني والدوائر المتشددة داخل إيران، وهذا ما وعد به أيضا روحاني بقوله بأن الرد سيكون في الوقت المناسب. وبالتالي، انتزاع إدارة بايدن من طهران ضمانات قوية بعدم الانتقام من إسرائيل، أو من كلا الطرفين بعد التصعيد أمر مشكوك فيه إلى حد بعيد، لاسيما وأن سياسة التصعيد الإسرائيلية تجاه طهران لن تتوقف تحت ذرائع شتى. أحد الأسباب الرئيسية المرجحة لتصلب موقف إيران تجاه برنامجها النووي هو موجة التطبيع التي تضرب المنطقة حاليا، لاسيما التطبيع بين كل من إسرائيل والإمارات والبحرين، والتي تنظر إليه طهران على أنه تحالف خليجي-إسرائيلي عسكري موجه إليها، فمؤخرا خرجت تصريحات إسرائيلية رسمية عن عزم إسرائيل نشر منظومة دفاع صاروخي في الإمارات هذا بالتزامن مع موافقة واشنطن على بيع طائرات أف 35 للإمارات، في إطار هذه التطورات سيصعب على طهران التخلي عن برنامجها النووي خوفا من ضربة أمريكية-إسرائيلية بمساعدة خليجية في المستقبل لإزالة النظام. خاصة، وذلك بحسب الوكالة أن إيران قد باتت قريبة جدا من امتلاك سلاح نووي بعدما تمكنت من استئناف تخصيب اليورانيوم لمستويات عالية جدا بعد انسحاب ترامب من الاتفاق قدرت بثمانية أضعاف الكمية المخصبة منذ 2015. مجموعة التحديات السابقة، وخاصة التصعيد الإسرائيلي ضد إيران على اعتبار أن سيناريو امتلاك إيران لسلاح نووي أمر لن تسمح به إسرائيل على الإطلاق، تعقد على نحو كبير من فرص عودة الاتفاق خلال إدارة بايدن، بل ربما تجعل إقامة اتفاق نووي دائم في المستقبل أمر مستبعد للغاية في ظل تعاقب إدارات أمريكية جمهورية على البيت الأبيض في المستقبل. يبقى رهان وحيد من الممكن أن يجعل عودة الاتفاق ممكنا خلال إدارة بايدن -وإن كان مرحليا أيضا على الأرجح- وهو الوضع الاقتصادي الصعب لإيران الذى ازداد سوءا بسبب أزمة كورونا، ففي ظل هذا الوضع قد تقبل إيران رفع الحظر على تصدير النفط لأجل انتعاشة سريعة لاقتصادها، مدركة أيضا أن الاتفاق بمثابة اعتراف أمريكي بدورها ونفوذها في منطقة الخليج وسوريا في ضوء تراجع الأهمية الاستراتيجية للمنطقة لأمريكا.