12 سبتمبر 2025

تسجيل

ياسر العظمة والحاسة السادسة

29 ديسمبر 2015

يتمتع كل قلم يدرك ماهية وحجم مسؤوليته التي يحملها على عاتقه، بما يُميزه عن كل أقرانه وبشكل لافت، ألا وهو (توهج الحاسة السادسة)، الذي يُمكنه من إدراك ما سيكون قبل أن يكون؛ لتوافر المعطيات الكافية، التي تأخذه في نهاية المطاف إلى حقائق تأخذ حيزها من الواقع حتى وإن لم يكن العقل يتقبلها، وهو ما لا ينطبق على الجميع، فمن توقعها منذ البداية المطلقة، وتتبع مسارها فسيصل أخيراً إلى حقيقة وقوعها في فترة (ما)، وتحديداً حيث تلك النقطة التي توقعها صاحب القلم، الذي قد تبدو ملاحظاته وتوقعاته التي أشار إليها مسبقاُ وللأسف الشديد مجرد ترهات، وذلك بسبب طول المسافة التي تفصل بين ما كان وما سيكون، والحق أنها لمصيبة أن نجد بيننا من يدرك الحقيقة ولكننا نتعامل معه كالجاهل بها؛ لنرفضه ونرفض ما يكون منه، ونحرص على متابعة غيره ممن لا يُجيد سوى اختلاق ما لا حق له بأن يكون، ومتابعته وكأنه يأتي في كل مرة بعظيم لم يسبق له أن كان أبداً، في حين أن صاحبنا هو من يستحق منا الالتفات إليه؛ لأخذ الدروس والعبر من توقعاته، التي يخرج بها ليس لخصوبة ما يتمتع به من خيال، ولكن لاتساع رقعة (فكره المنطقي)، الذي ترتع فيه توقعات المستقبل، ويدركها ويدرك تفاصيلها وكأنه من رسمها بريشته، التي تعكس ما يتمتع به من إبداع فني وصل به إلى مقام عال، لم يكن ليتمكن من بلوغه ما لم ينجح وبجدارة فيه، وهو ما يأخذنا صراحة إلى موضوع آخر أكثر أهمية وهو أن نجاح صاحب القلم في كل عمل يُقدم عليه يحتاج لعلاقة جادة تربطه بالإبداع، الذي لن يتمكن من الاجتماع به إلا ضمن قالب فني سيجمع الأول بالآخر، وسيسمح لهما بالاندماج حتى تكون النتيجة مُرضية وقادرة على تخليد ذاتها في ذاكرة الزمن، التي ستعلو صيحاتها يوماً حين تتدفق الأحداث التي كانت في مرحلة من المراحل مجرد توقعات صرح بها ضمن إطار فني صاحب قلم يدرك حقيقة ما كان وما سيكون.إن مناسبة تسليط الضوء على موضوع كهذا هي تلك التي كانت بفضل ما قد جمعتني به صدفة غير متوقعة، وذلك حين أخذني الحنين لزمن مضى، حيث تلك الأعمال الدرامية التي على الرغم من أنها قد كانت بسيطة جداً، إلا أنها قد كانت تتمتع بعمق فكري لا يمكن بلوغه ما لم تكن التجارب الحقيقية المتأصلة في النفس البشرية، وكي أتجنب الابتعاد عن أصل الموضوع فلابد وأن يكون تركيزي على رأس العمل الدرامي، الذي أشرت إليه آنفاً وسبق له وأن جمعنا حول شاشة التلفاز في زمن مضى، وهو: مسلسل مرايا للنجم السوري ياسر العظمة، الذي اعتاد إعداد القضايا الشائكة والخطيرة جداً ذات المكونات الدسمة؛ ليُقدمها كوجبات خفيفة، نفرح بكل ما فيها حتى وإن كان ثقيلاً؛ لأنه بكل بساطة ما كان يبدو خفيفاً على القلب، ولعل تلك الخفة هي ما جعلت (تلك الوجبات) عالقة في الذاكرة، حتى وإن مرت الأيام وعرضتنا لمواقف مُشابهة لتلك التي سبق لنا وأن حضرناها ضمن حلقات المسلسل صرخنا بعبارات (وإن كانت تائهة بعض الشيء) إلا أنها ستأتي مؤكدة على أن ما نتعرض له ليس بجديد، إذ سبق له وأن عُرض علينا من قبل، ولكننا لم نتوقع وقوعه على أرض الواقع، والحق أنه ما قد كان فعلاً، إذ شعرت بسخرية الموقف، الذي أجبرني على الضحك والبكاء في ذات اللحظة؛ لأن ما تحدث عنه العظمة وبعظمة في يومٍ من الأيام قد تحقق، وصرنا نعايشه وللأسف الشديد، وعلى الرغم من تعاسة الوضع الذي يُخيم على بعض بقاع الأرض، إلا أن التعرض لبعض ما قد عرضه العظمة يجعلنا نتابع مشهداً كوميدياً للغاية، يستحق منا تصفيقاً حاراً لكل ما جاء فيه، وكان منه؛ لتتلاشى من أمامه الحروف والكلمات؛ معلنة انتهاء موسم الكلام، الذي سينتهي فعلاً ولكن بعد أن تكون مني الرسالة التالية: أن تُرسل يعني أن يكون هناك من سيتلقى منك رسالتك، وأن تكتب يعني أن يكون هناك من سيتلقاها كلماتك، وأن تشعر بأنك بحاجة لأن تكون ذاك الأول أو هذا الثاني فهو ما يعني أن تفكر ملياً بكل ما تود تقديمه للآخرين؛ لأن ما ستفعله على وشك أن يترك بصمته على جبهة الزمن، فهل فهمت ما أتحدث عنه؟.