13 سبتمبر 2025

تسجيل

ومضى عام هجري

29 نوفمبر 2011

مع بداية عام هجري جديد لا خيار لنا في وداعه ولا فراقه، ينبغي أن نقف عدة وقفات محاسبة أمام النفس، نعتبر فيها بما مضى من أخطاء وبمن مضى من أخلاء، واضعين في الأذهان أن من لم يعتبر بغيره اعتبر به غيره، فهذه أول وقفة ينبغي أن نقفها جميعا. وقد قال قس بن ساعدة في خطبة بليغة يعظ فيها قومه، فكان من جملة ما قال: في الغابرين الأولين من القرون لنا بصائر.. لما رأيت موارد للناس ليس لها مصادر، أيقنت أني لا محالة حيث صار القوم.. إنها رحلة الحياة التي لها مبتدى ومنتهى، والتي يتذكر المرء فيها عاماً مضى من عمره متنزعا بذلك من شجرة عمره أفرعاً وأوراقا إلى أن يأتي يوم تبتر فيه الشجرة ويجد المرء نفسه أمام الله مسؤولاً ومحاسباً. يقول الله عزَّ وجلَّ: "يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْـرَةً لِأُولِي الْأَبْصَـارِ" وقد كان سلف هذه الأمة يدركون جيداً تلك الحقيقة ويعدون لمثل هذا اليوم عدته، قيل لـمحمد بن واسع، عليه رحمة الله: كيف أصبحتَ؟ قال: كيف أصبح من دنا إلى قبره مرحلة. إنها تجعل كل وقت يمر عليه إنما هو سائقه إلى قبره وقائده، وقد قال الإمام الحسن البصري عليه رحمة الله: يا ابن آدم! إنما أنت أيام مَجموعة، فإذا ذهب يومٌ ذهب بعضُك. وقال أيضاً: "يابن آدم! إنما أنت بين مطيتين تضعانك، تضعك مطية الليل إلى النهار، ويضعك النهار إلى الليل، حتى يُسلماك إلى قبرك". فمن أشد منك خطراً يا ابن آدم؟! وقد مر الفضيل بن عياض عليه رحمة الله، على رجل كبير طاعن في السن، غارق في معصيته، فقال له: يا هذا! كم مضى من عمرك؟ قال: ستون سنة، فقال الفضيل: رجل يسير إلى ربه منذ ستين سنة، يوشك والله أن يصل، فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقال الفضيل: كذبت! لو علمتَ أنك عبد لله لعلمتَ أنك إليه راجع، ولو علمتَ أنك إليه راجع لعلمتَ أنك موقوف بين يديه، ولو علمتَ أنك موقوف لعلمتَ أنك مسؤول، ولو علمتَ أنك مسؤول لأعددتَ للسؤال جواباً، فقال له: يا فضيل! ما الحيلة؟ قال: الحيلة يسيرة، أن تحسن فيما بقي، فإن مَن أحسنَ فيما بقي غفر له ما مضى، ومن أساء فيما بقي أُخذ بما مضى وبما بقي. وفي هذا المعنى يقول الشاعر: وإن امرأ قد سار خمسين حجة *** إلى منهل، من وِرده لقريبُ الوقفة الثانية: النَعيم الحقيقي لا يكون إلا في الجنة، فهل أعددنا العدة، يقول أحد الشعراء واعظا أحد الأثرياء: أما قصورك في الدنيـا فواسعةٌ : فليت قبرك بعد الموت يتسعُ. إن نعيم الدنيا مهما كثر لا يساوى ساعة من ساعات يوم القيامة وفي الحديث: "والذي نفس محمد بيده لرؤية ملك الموت أشد على أحدكم من ضربة بالسيف ستين مرة". وقال أحد الشعراء في ذلك: لو عُمِّر الإنسان طيلة دهـره : ألفاً من الأعوام مالك أمره متنعماً فيها بكل مراده : مترفهاً مترفعاً في قدره ما كان ذلك كله بمكافئٍ : لمبيت أول ليلة في قبره إنها دعوة لأن نغتنم ما بقي من أعمارنا لنعمر آخرتنا، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "بادروا بالأعمال الصالحة سبعاً: هل تنتظرون إلا فَقراً مُنسياً، أو غنىً مُطغياً، أو مرضاً مفسداً، أو موتاً مُجْهزاً، أو هرماً مُفْنِداً، أو الدجال فشر غائب يُنتَظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر". نسأل الله أن يختم لنا بصالح الأعمال. آمين.