12 سبتمبر 2025
تسجيلقبل أيام من مقتله، قال جمال خاشقجي: «التغيير في العالم العربي سيستمر ويصل إلى منتهاه بسبب أخطاء الزعماء المتسلّطين»! من المؤكد أن جمال لم يكن يدرك أن ذلك وشيك جدا، وأنه سيكون أول أداة تكشف قبح المتسلطين. لقد كشفت حادثة الغدر بجمال خاشقجي عن كم القبح والحمق عند «الشاب الطموح المحدّث الملهم»، كما وصفه السديس سادن الكعبة، فلو أن خصوم ابن سلمان اجتهدوا في الإضرار به ودفعوا المليارات لذلك، لما بلغوا ما بلغ من الإضرار بنفسه وبصورته التي دفع مليارات مسروقة لتلميعها. لا يمكننا فهم ما جرى دون أن نضع في اعتبارنا أن الله غالب، وأنه في الوقت الذي كان القتلة يستدرجون جمال للقنصلية كان قدر الله قد استدرج «الشاب الملهم» إلى تدمير مستقبله، ويكفي جمال- رحمه الله- شرفًا أنه كان أداة الله في إمضاء قدره وإظهار حكمته، لقد قال كلمته ومشى، لكن القدر حبس في تلك اللحظة قاتله وسلط الضوء عليه انشغل الغرب في فواتير بيعه السلاح عن الفاتورة البشرية الباهظة التي يدفعها اليمنيون في حرب عبثية يخوضها المجرمان، ومرّر الغرب احتجاز ابن سلمان لرئيس وزراء لبنان دون مساءلة، وتعامى الرأي العام الغربي الرسمي- ما خلا كندا- عن حملات اعتقال «الشاب الطموح» لأمراء وأثرياء أو حتى الصامتين عن مدحه، كل تلك الكوارث مرّت دون أن يكدّر أحدهم خاطر الملك القادم، لكن الرأي العام العالمي الرسمي انضم مُكرهًا للشعبي، ولم يستطع هذه المرة أن يبتلع فداحة جريمة «الشاب الملهم» التي تحوّلت إلى هزّة عالمية مثل تفجيرات 11 سبتمبر، فالسعودية لن تكون قبل جريمة القنصلية كما ستكون بعدها، حتى أن المليارات المسروقة التي بذلها «الشاب الطموح» لـ «ترمب» لم تشترِ صمته. وقد فات على «المُحدّث المُلهم» أن أميركا ليست فقط «ترمب» وصهره «كوشنر»، وأن فيها من يسأل ويحاسب. نسأل الله أن تكون نهاية جمال المخضبة بالدم شهادة له عند الله، وأن تكون فاتحة خير لربيع الأمة الذي ظلّ مؤمنا به وسبح عكس التيار لأجله، فمع أن جمال نشأ في أسرة قريبة من آل سعود، وكان من أسرته الوزراء، وكان هو نفسه رئيسًا لتحرير صحيفة الوطن، ومستشارًا إعلاميًا لتركي الفيصل، عندما كان الأخير سفيرًا في لندن ثم واشنطن، وكان بوسع جمال أن يتقرّب أكثر للقصر وأن يرفل في المال والجاه، لكنه رفض كل ذلك وأبى أن يكون عبدًا لآل سعود، لأن روحه الخيّرة انطوت على مطلب الحرية والكرامة للأمة بأسرها. لقد زار أفغانستان إبان جهادها ضد السوفييت، ولم يكن مراسلًا صحفيًا فقط، فقد حزن أشد الحزن على اقتتالهم بعد رحيل المحتل، ثم غرّد مترحمًا على صديقه ابن لادن وأثنى على صدق نيته، وإن اعتبره أخطأ الطريق. ومن أفغانستان إلى الجزائر، حيث آلمه الانقلاب على الديمقراطية التي أفرزت الإسلاميين، ظهرت شجاعته أكثر في تذكيره المتكرر لحكام الرياض بالخطأ الاستراتيجي بتحالفهم مع أبوظبي ضد الربيع العربي؛ لاسيما مع العسكر الذين انقلبوا على أول رئيس منتخب لمصر، ولم يتردّد جمال في القول بأن حصار قطر خطأ كبير ارتكبته بلاده، وظل يجهر بالحقيقة الماثلة للعيان «الغرب وحكام العرب يرفضون الديمقراطية لأنها تفرز الإسلاميين»، ومع الحديث عن صفقة القرن صدع بالحق في وجه آل سعود، فقال: «من يتنازل عن القدس.. يتنازل عن الحرمين». أخطأ جمال عندما ظن خيرًا بنظام آل سعود الوظيفي، واعتبر أن المشكلة فقط في ولي العهد، واستمر على حسن ظنه ذاك حتى وهو يسير بخطوات ثابتة إلى حتفه داخل قنصلية مملكة الشر، ربما لأنه رأى نفسه ينال الحُسنيين؛ فقد غرّد قبل عامين فقال: سر النجاة والنصر معا؛ «لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني، ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين». أدعو كل من يقرأ مقالتي هذه أن يصلّي صلاة الغائب على جمال المغدور، سائلا الله الكريم أن يحسن وفادته ويكرم مثواه.