12 سبتمبر 2025

تسجيل

ضيفة فوق العادة

06 أغسطس 2018

كانت استعدادات زوجتي غير عادية لاستقبال ضيوف قَدِموا من مدينة خليل الرحمن، متوقفين عندنا في عمّان، وقد يمّموا وجوههم شطر المسجد الحرام؛ فوفد العمرة مميز بضيفة فوق العادة، هي خالتي أم حسن، الفلسطينية الستينية التي عاشت الاحتلال الصهيوني خصوصاً في مدّه الثاني بعد هزيمة 1967، أم حسن التي لم تكتفِ بالرباط في أرض خليل الله-عليه السلام-، فذلك وجه واحد من وجوه الجهاد لم تقنع به، بل دفعت برأس مالها في أتون مواجهة برابرة العصر.  وإذا كان أمثالي قد قنعوا بمواجهة مترفة للعدو وهم قابعون في مكاتب مكيّفة وغاية ما يقومون به الكتابة بين الفينة والأخرى عن جرائم الصهاينة، فإن العم أبو حسن (الخطيب والداعية المفوه والممنوع من مغادرة فلسطين) والخالة أم حسن اختارا منذ زواجهما طريقًا معالمه واضحة ومليء بالعقبات والأشواك، استساغت فيه أم حسن تجرّع مرارات كثيرة لعل أقلها الاعتقال المتكرر لزوجها، وأبنائهما الخمسة، ثم مطاردة "باسل" أقواهم شكيمة، واعتقالها شخصيًا بعد قيامه بعمليات جهادية نوعية قذفت الرعب في قلب الاحتلال الجبان.  أثناء مطاردة الصهاينة له، كان ابتهالها ممزوجا بالدموع الحرّي وهي تسأل الله أن يجعل لابنها فرجًا ومخرجًا، هي تعلم أن فجر باسل مخضّب بالأحمر، وبعد أيام من دعائها اتخذه الله شهيدًا في مواجهة مع قوات الاحتلال نقلتها شبكات الأخبار حيّة على الهواء، لكن "أم حسن" لم  تكن تعرف أن تجلّد "حاتم" توأم الشهيد كان يقينًا راسخًا بأنه سيلحق بعد ستة أشهر برفيق الرحم والصبا والسجن ودرب الشهادة التي دفع مهرها من دمائه الزكية فسطّرا معا ملحمة تتوارى أمامها أوراقي، وتنكسر حيالها أقلامي، وتتلعثم بين يديها كلماتي، تمامًا كما تلعثمت عندما شرّفت هذه السيدة الأولى مائدة غدائنا، وكنت أبشّرها بما ينتظرهم من أجر غير ممنون من رب كريم، فأجابتني: "الحمد لله الذي اختارنا لهذا، ولولا فضله علينا لكنا نرتع مع الهمل".  "إيهاب" فصل جديد تسطّره هذه العائلة القابضة على الجمر، فهو منتصب الهامة مرفوع الرأس يتنقل بين سجون السلطة الفلسطينية وسجون الاحتلال الصهيوني، يرفض التعاون والخضوع لسجّانيه برغم شوقه لزوجة وطفلين ينتظرانه بفارغ الصبر. وأما ثبات خالتي أم حسن وإصرارها على سلوك الطريق الشائك إلى آخره فيظهر في إطلاقها اسمي الشهيدين باسل وحاتم على حفيديها لأنها موقنة بأن جيلهما سيكتب النهاية السعيدة لجهاد أهل فلسطين.