14 سبتمبر 2025

تسجيل

القبطان لويجي أرض السودان

29 أكتوبر 2012

وحين ظهرت سونيا آفرين الملكة، تتهادى في مجال نظرته ونظرات الآخرين، وضح تماما أنه أعد لها شركا عاطفيا بعيدا كل البعد عن توقعي وتوقعها، وتوقع أي أحد آخر من المسافرين. رأيت لويجي آر كميلسون، المفترض حتى تلك اللحظة، أنه قبطان سفن شراعية متقاعد، وأحد هواة غرائب البحر الذين يشنون حروبا قاسية على اليابسة مهما كان تحضرها وعذوبة مدنها، ويتسلى بملاطفة الحسناوات بلا أي غرض محتمل، ينحني أمام ملكة الجمال، يقبل يديها وقدميها ويبكي، ويعلن بصوت الدموع الفاجر، استعداده أن يتحضر، ويقلع عن هوى البحر الركيك، ويقيم تحت قدميها في أي مدينة تحددها في العالم الفسيح.  كانت الملكة قد اضطربت تماما في تلك اللحظة، فاجأها الشرك العجوز غير المتقن، واضطربت، كانت تنز من عينيها السحريتين نظرة خوف، يفور في فمها الوردي شبح استيضاح، وتحركت يدها اليمنى مرارا أمام عينيها، بلا أي هدف محدد. لم تكن مرتها الأولى في مواجهة عاشق مهووس مثل القبطان لويجي، بكل تأكيد، وتعيش في بيئة ممتلئة بالمطبات والحفر، وثقلاء الدم، ومخترعي لغة الإغواء، وأصبحت ملكة، لكن المفاجأة، والمفاجأة وحدها ما جعلها تضطرب. استدارت لتمضي متعثرة، بينما عاشقها العجوز، ما يزال منكفئا على السطح، وقد تقاطر منه العرق، وتدافع عليه المسافرون، يحاولون إيقافه على قدميه، وقطعا يبحثون في بؤسه وبؤس اللحظة، عن هيبة البحار القديم الذي عشقته ثلاثمئة حورية بحر طوال سنوات قهره للبحر، ولم يلتفت لإحداها، كما كان يردد دائما. ذلك اليوم، وما تلاه من الأيام حتى بلوغنا بر مصر، لم تكن ثمة فرقة لأسماك البحر، تقيم ضجيجها وفوضاها، ولا مغن  يمجد شاربي ورجولتي وعنفواني. ولا مسابقات تجرى وأسئلة تجاوب، أو واحد مثلي يحكي عن البلاد المجهولة، وينصب فارسا للحكي. عثروا على القبطان في غرفته ميتا أمام رقعة شطرنج قديمة باهتة المربعات، كان يلاعب وسواسا قويا كما يبدو لأن الأحصنة والجنود التي في جيشه، كانت منهزمة. لم تكن ثمة آثار لجريمة ارتكبت عن عمد، ولا رسالة انتحار موقعة، ولا أي أداة من تلك الأدوات التي اشتهرت عبر التاريخ في إنهائها حياة العشاق، وحين رفعوه وعروه، وفتشوا جسده جيدا، لم يعثروا إلا على جغرافيا العمر المرسومة على الجلد، وفتاق متورم عند السرة، ووشم غائر في ساعده الأيمن، يمثل نورسا بلا جناحين. تأثرت كثيرا بموت القبطان لويجي بالرغم من أنني عرفته رفيق سفر، ولم يكن يوما من مؤسسي طفولتي أو شبابي، لم أصدق بأن صانع الغرائب الحكاء قد تحول فجأة إلى جسم غريب لا بد من التخلص منه عاجلا. لفوه بعلم لا يشبه العلم البريطاني، ولا أي علم آخر أعرفه، وخمنت أنه علم مفترض لدولة البحر التي كان القبطان واحدا من رعاياها. واستلمه الرهبان المسنون الذين يسكنون غرفتي لعدة دقائق، باركوه فيها كما يبدو، قبل أن يلقى في البحر.