10 سبتمبر 2025
تسجيلتختلف العقول البشرية في أهدافها المرسومة، وجميع تلك العقول هدفها الأول هو شق الطريق إلى أسباب الرزق، وهذا من المنطق الطبيعي، ولكن هُناك من يحيا لأجل هذا الهدف فقط فيصبح المال هو من يصنع صاحبه!. فالاهتمام بجمع المال بكل السُبل المُتاحة أصبحنا نراه بشكل واضح في تفاصيل حياتنا اليومية، وقد توهم الكثير بأن المال يخلد صاحبه في الحياة الدُنيا، وهذا ما يظنه الكثير من أصحاب الأموال، فهم يتلذذون بالأعين التي تنظر إليهم وهم يتنعمون بتلك وإظهارها للعامة وتلذذهم بمطاردة تلك الأنظار لهم حين يسيرون في الأرجاء لدرجة أن البعض وصل إلى مرحلة الوصف الذي وصفه القرآن الكريم "وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا"، فهذا الإعجاب مُدمر ومخادع لصاحبه فيجعله يتمادى في رفاهيته دون وعي. وتمنى الكثير أن يكونوا في موقع صاحب المال لما تراه الأعين من نِعَم شُغل بها القاصي والداني وكأني أرى الآية الكريمة أمام عيناي حاضرة (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ* وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ* فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ* وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ)، فالآية الكريمة حذرت من الغرور الذي يصاحب المال أو تملُك ذلك المال من صاحبه، كما أن زوال المال هو أول طريق الانتهاء من الإعجاب بتلك الشخصيات. وغالباً عند انهيار هذه المنظومة المالية يسقط صاحبها معها فلا ذكر له بعد ذلك، وذلك بسبب بسيط وهو أن المال هو المكون لصاحبه. هُناك من قام التاريخ بتخليدهم وإنصافهم، بتلك العقول التي صنعت لنفسها مكانة ثابتة لا تسقط مع رحيل صاحبها دون النظر إلى نسب أو مكانة أو دين. فالعالم المسلم أبوبكر الرازي أسس علوم الطب وما زال الفضل له بعد الله في تطور علوم الطب وهو مرجع هام لهذا. والعالم من خارج العالم الإسلامي أديسون جعل الإنسان في نعيم الإضاءات والتطور من اختراعه للمصباح الكهربائي. وهُناك الدكتور عبدالرحمن السميط رائد العمل الخيري في عصرنا الحديث. وكالأفعال التي يشاد بها إلى يومنا هذا في الكرم والتي ارتبطت باسم حاتم الطائي. وكم من شاعرٍ يُشاد بشعره الذي لا يكاد يخلو من حكم ومواعظ وكرم وشجاعة منشودة بأبياته وتؤخذ أبياتهم في الأدب وفي النصح. كما غرس الكثير من أجدادنا وآبائنا أثرهم في مجتمعاتنا وهو ما زلنا نراه اليوم من الوفاء في طلابهم، فكثير ما نسمع من رجالات الدولة وهم يشيدون بمعلميهم وذكر الفضل لهم إلى يومهم هذا في تفوقهم وتقدمهم العلمي والوظيفي والإشادة بما غرسه هؤلاء المعلمون الأفاضل من حكم فأصحبوا لهم قدوة حسنة. فوالله لهو هذا الفخر المنشود. فقد خلد التاريخ تلك الشخصيات لعقولها وعملها وفائدتها المقدمة للبشرية ولم يتطرق التاريخ إلى أجساد بلت وكانت تشتهر بالمال فقط إلا للموعظة. أخيراً: ما زلنا نرى اليوم بيننا مخترعين وكُتاباً ومُصلحين يجودون بأنفسهم وأوقاتهم وأعمالهم وأفكارهم ويطوعونها لخدمة الإنسانية علمياً وفكرياً واجتماعياً وما زالوا على هذا النهج على الرغم من التهميش الإعلامي والمجتمعي لهم إلا أنهم ما زالوا في ذات العطاء وما زالوا على ذلك المبدأ، وبلا شك سينصفهم التاريخ لا محالة فهؤلاء من يجب الاقتداء بهم فعلاً. فـالسؤال الذي يطرح نفسه كيف تُريد أن تصنع نفسك؟. bosuodaa@