12 سبتمبر 2025
تسجيلبعد أقل من مائة وخمسين عاماً على سقوط بغداد، سنة 1258م، كان أسطول بحري صيني ضخم، يقوده القائد العسكري والمسكتشف الجغرافي المسلم: جينغ هي، يُبحر غرباً ليمر بالهند وعُمان واليمن، وسواحل جنوبي وغربي أفريقيا، وصولاً إلى أمريكا الجنوبية. وكانت من النتائج الهامة لتلك الرحلة أن الإسلام انتشر في جنوب شرقي آسيا انتشاراً عظيماً، ولم يزل الإندونيسيون والماليزيون يذكرون هذا القائد العظيم، ويدرسون سيرته. كل الأحداث المأساوية العظمى في تاريخنا الإسلامي، كانت منطلقاً لظهور قوى إسلامية جديدة قادرة على القيام بنهضة عظيمة تحفظ كيان الأمة، وتبعث روح الوحدة في نفوس شعوبها، وتجعلها حضارتها مؤثرةً في مسيرة الإنسانية. ولذلك، ننظر إلى الطعن في الإسلام، وتشويه تاريخه، وشرذمة المسلمين التي تقوم بها قلة ضئيلة من الإعلاميين والأكاديميين وعلماء السلاطين التابعين لهيمنة المال الإماراتي، على أنها مجرد حملات تعكس خوفاً عظيماً من النهضة التي أشرق نورها في بلاد حقيقية فيها ديمقراطية وفكرٌ وعلمٌ واقتصادٌ نَشطٌ كتركيا وماليزيا، وبلادٍ تسيرُ بخطى ثابتةٍ نحو دولة المؤسسات والحداثة في ظل الالتزام بقضايا الأمة وعقيدتها، وتكتسب احتراماً وتقديراً من الشعوب والدول، كدولة قطر. اللافت للنظر أنه كلما اشتدت الحملات الإماراتية على الإسلام، يتعاظم شعور المسلمين بالوحدة، والالتزام بعقيدتهم. وعندما نقول: المسلمون، فإننا نتحدث عن حوالي ملياري إنسان، يُشكلون حوالي ربع سكان العالم، ولا يمكن أن تؤثر فيهم أبوظبي التي تتعامل مع العقيدة والأمة على أنهما بضاعتان تتاجر بهما دون أدنى اهتمام بالأثمان الباهظة التي ستدفعها الشعوب من دماء أبنائها ومصائر أوطانها جرَّاء ذلك. وبصراحةٍ، إنني من الذين يسعدون عندما ينحدر مستوى الخطاب الإعلامي والتويتري الإماراتي إلى درجة المس الصريح بكل المقدسات، كما يفعل دَعيُّ أبوظبي: وسيم يوسف؛ لأن ذلك يعني أن أبوظبي مدركةٌ لكونها تخوض حرباً خاسرةً ضد الأمة كلها، فتحاول من خلال هذا الخطاب أن تَشغلها بجدالٍ عقيمٍ حول أمورٍ هي من ثوابت العقيدة والهُوية والوجود. ولا تكتفي قيادة أبوظبي بذلك، وإنما تستخدم ورقةً خطيرةً تستهدف بها هوية الأمة؛ هي الورقة المصرية. فالجميع يعلمون أن مصر هي اللاعب الرئيس في قوة الأمة وضعفها في آنٍ، وعندما نجحت تجربتها الوليدة بعد ثورة 25 يناير 2011م، أدركت أبوظبي أن مصر ستنهض، وستصبح مركزاً للقرار العربي، وداعماً للشعوب في مطالبها العادلة، ومنها، بخاصةٍ، الشعب الفلسطيني. لذلك، اتُّخذَ القرار الإماراتي بالقيام بانقلاب عسكري أتى بالنظام الحالي في القاهرة، الذي تخلى عن كل حقوق مصر في أراضيها وبحرها ومائها وثرواتها الطبيعية، وأفقر شعبها بصورة فاقت كل التخيلات. هذا النظام هو أداة أبوظبي لخنق الشعب الفلسطيني، بل وقَتْله جهاراً كما فعل، قبل أيام، عندما قتل ثلاثة أشقاء فقراء من غزة، يعملون في صيد السمك، بحُجة دخولهم المياه الإقليمية. وهذا القتل هو جريمة إنسانية، إلا أنه في الأساس خطوة نحو تمزيق هوية الأمة الذي تسعى إليه أبوظبي في كل سياساتها. المضحك في المشهد السياسي العربي، هو أمين عام جامعة الدول العربية الذي تحول لموظف لدى أبوظبي، فخرج علينا بتصريح يقول فيه إن اتفاقها مع الكيان الصهيوني قد منع الكيان من ضم الضفة الغربية. ونقول له بدورنا: أنت آخر مَن يتحدث عن فلسطين، ونحن، الشعوب، لا نعترف بك ولا بجامعتنا التي تسيطر عليها دول الحصار، فصارت منبراً لإعلان العداء للأمة. فاصمتْ، لأن صَمْتَ أمثالك فضيلةٌ. إيماننا بتقدير الله تعالى للخير لأمتنا في كل الأمور، هو ركيزةٌ إيمانيةٌ هامةٌ، فكل المِحَنِ والمآسي التي تمر بنا، نحن العرب المسلمين، فيها خيرٌ عظيمٌ لنا، ولكن هذا لا يعني قبولنا بالفشل الحضاري الشامل الذي تريد أبوظبي جَرَّ الأمة إليه، وإنما يعني وجوب التوعية بهوية الأمة، والدعوة لتوحيد صفوفها حضارياً وإنسانياً، لأن الحروب لا تُخاض بالأسلحة فقط، وإنما بالدور والتأثير الحضاريين اللذين ينبغي لهما قاعدةً صلبة من الحريات والعدالة، والأهم من ذلك كله؛ قاعدة من الشعور الحي بوحدة الأمة عقائدياً ونفسياً رغم كل المحاولات الفاشلة لقتل هذا الشعور. كاتب وإعلامي قطري [email protected]