11 سبتمبر 2025
تسجيلفي قمة البريكس الأخيرة التي انعقدت في جنوب أفريقيا، تم الإعلان رسميا عن ضم ست دول جديدة للتجمع في يناير 2024، وهي (السعودية، الإمارات، إيران، مصر، إثيوبيا، الأرجنتين). وبهذا التوسع الجديد غدت البريكس تكتلا اقتصاديا- سياسيا عملاقا معبرا بحق عن تدشين النظام الدولي متعدد الأقطاب في النظام الدولي، وانتهاء حقبة الأحادية القطبية الأمريكية رسمياً. فبهذا التوسع الجديد، أصبحت البريكس تستحوذ تقريبا على أكثر من نصف الناتج العالمي، وتضم أكثر من ربع سكان الأرض، وتستحوذ على نفس النسبة من احتياطات الموارد الطبيعية. ومن ثم، فالبريكس في طريقها، لاسيما في ضوء طلبات الانضمام المتزايدة من الكثير من الدول، أن تتفوق على مجموعة السبع، وربما الاتحاد الأوروبي. وتهافت الدول على الانضمام للبريكس يشي بأمور كثيرة، من أهمها، الرغبة في تدشين نظام دولي متعدد الأقطاب والحد من الأحادية الأمريكية التي أضرت العالم. القناعة الجازمة بان مركز التوازن الاقتصادي والسياسي العالمي قد انتقل فعليا إلى الصين باعتبارها ضمنيا قائدة التجمع. كذلك، الشعور بان عبر البريكس ستتمكن من التخلص نهائيا من أزماتها المزمنة، وكذلك التقدم في حل الأزمات العالمية الخطيرة لاسيما أزمة التغير المناخي. لذا يلاحظ أن موافقة البريكس على ضم كل من إيران والسعودية يعتبر مكافأة على خطوات التصالح الرسمية بين البلدين. كذلك، فإن ضم مصر وإثيوبيا ربما يمهد لحل نهائي-عبر التجمع- لأزمة سد النهضة الخطيرة بين البلدين. يضاف إلى ذلك أن ضم الأرجنتين يدلل بجلاء على فشل النظام الاقتصادي الغربي على حل الأزمة الاقتصادية الطاحنة للأرجنتين التي تئن منها منذ عقود. توسع البريكس يؤسس رسميا إلى نظام دولي متعدد، ولا يمهد إلى أحادية قطبية جديدة بقيادة الصين كما تذهب بعض الآراء. وهذا في حد ذاته أمر صحي للغاية للعالم، فعلى مدار التاريخ كان الوضع الطبيعي دائما ثنائيا أو متعدد الأقطاب، أما الأحادية فكانت استثنائية للغاية، وتلك الاستثنائية كانت تدفع العالم إلى توترات متعددة مع قوى أخرى غير راضية عن الهيمنة الاستثنائية، وتنشئ مظالم وانحرافات لا حصر لها في العالم. بروز البريكس كتكتل مواز للتكتلات الغربية، من شأنه أن يكون له العديد من الانعكاسات الإيجابية الكثيرة-في تقديرنا- ولعل من أبرزها، تقليص حد التوترات والحروب في النظام الدولي لاسيما بين بكين وواشنطن، أو على أقل تقدير تأجيل تلك الحرب الحتمية إلى أجل غير مسمى. إذ أن التكتلات والتحالفات القوية المتعددة تنشئ حالة صلبة من الردع وتوازن القوة المساهم في إحلال السلام. ناهيك عن أن- وذلك كسمة أساسية في النظام التعددي- الدول المنضمة للبريكس هي أيضا شريك استراتيجي للغرب. ومن ثم، من الصعب أن تشكل قوة مهيمنة في تكتل تحالف لمحاربة الآخر. فمن أبرز مزايا النظام الدولي المتعدد هي منح الدول درجات اعلى من التحرك والمناورة في النظام الدولي، بل تمكينها من إبراز دورها وفرض نفوذها في بعض القضايا. ومن المزايا الرئيسية الأخرى شديدة الأهمية هي إرساء نظام دولي اقتصادي أكثر توازنا وعدلاً. فمع تنامي قوة البريكس، ستضعف بالتوازي الهيمنة الغربية بمؤسساتها على النظام الاقتصادي الدولي الذي تسبب في حدوث اختلالات فادحة في العالم، وأودى بدول إلى حافة الانهيار والفوضى العارمة وأخرى إلى إعلان الإفلاس. كذلك، ستضعف الهيمنة الساحقة للدولار الأمريكي، وما يترتب على تلك الهيمنة كنظام العقوبات الغربي-المجحف في الكثير من الأحيان-، والهيمنة على سوق النفط العالمي، ومبيعات السلاح. أي تراجع للسطوة الأمريكية المطلقة المستمدة معظمها من الدولار. وأخيراً، على الأرجح في ضوء البريكس أن يحدث انفراجة واسعة للكثير من الأزمات الدولية الشائكة، وعلى رأسها الحرب الروسية-الأوكرانية، حيث إن استمرار هذه الحرب سيعيق من نمو التكتل ويضرب مصداقيته في مقتل. علاوة على أن الصين راغبة بالفعل في إنهاء هذه الحرب المنهكة لقوة روسيا، والمساهمة في حشد تكتلات مضادة بقيادة واشنطن ضد الصين.