10 سبتمبر 2025
تسجيلأحد الأسباب الرئيسية التي قادت لقيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية في مايو 1981 كان الخلل الكبير في موازين القوى في منطقة الخليج العربي، ودور إيران والهواجس من تهديد دول مجلس التعاون الخليجي بتصدير الثورة-وزعزعة أمن دولنا لتحالفنا مع أمريكا، وعبثية سلوك ومغامرات نظام صدام حسين في العراق. تغيرت موازين القوى في منطقة الخليج بعد سقوط نظام الشاه حليف أمريكا في فبراير 1979، انتقلت إيران من أهم حليف استراتيجي ضمن مبدأ نيكسون "العمودان التوأمان" لأمن الخليج-السعودية وإيران-في سبعينيات القرن العشرين-لتصبح إيران خصم أمريكا اللدود. بدأت الخصومة بعد إسقاط المخابرات الأمريكية والبريطانية حكومة محمد مصدق المنتخب ديمقراطياً في إيران في عملية أجاكس عام 1953 لتجرؤه على تأميم النفط، وأعادوا حكم الشاه محمد رضا بهلوي للسلطة، ما فضح ازدواجية معايير الغرب - وأمريكا وبريطانيا - وبدأت معه مظالم إيران تجاه الغرب وأمريكا. التي استقبلت الشاه في منفاه وناصبت السلطة الجديدة العداء-وقطعت العلاقات الدبلوماسية واشتبكت في مواجهات وعقوبات مستمرة حتى اليوم. العامل الثاني الذي ساهم بإنشاء مجلس التعاون الخليجي بعد الثورة الإيرانية، كان أطول حرب إقليمية-حرب صدام حسين-ضد إيران،(1980-1988)-دفعت دول مجلس التعاون فرادى للاصطفاف مع العراق لدرء خطر إيران ولاحتواء تصدير الثورة، انتقمت بقصف منشآت نفطية في الكويت وناقلات نفط كويتية وسعودية في مياه الخليج. العامل الثالث-كان احتلال السوفييت لأفغانستان عام 1979-وإعلان للمرة الأولى رئيس أمريكي مبدأه-مبدأ الرئيس كارتر، بالتعهد بحماية أمن واستقرار منطقة الخليج العربي-وصولاً للتهديد باستعداد أمريكا لاستخدام القوة للحفاظ على مصالحها وحماية حلفائها في رسالة واضحة للاتحاد السوفييتي بالبقاء بعيداً عن مياه الخليج الدافئة. لم ننجح في دول مجلس التعاون الخليجي في الانتقال بالمجلس من مرحلة التعاون بعد 41 عاماً إلى مرحلة الاتحاد الدفاعي والأمني لنوازن ونحتوي إيران والعراق، قبل سقوط نظام صدام حسين ولا بعده، برغم إنفاقنا مئات مليارات الدولارات على التسلح، وتحول العراق لدولة هشة تحت نفوذ وتبعية إقليمية وحلفائها في الداخل العراقي، ما عمق المعضلة الأمنية لدولنا الخليجية. وظّفت إيران بذكاء ودهاء برنامجها النووي كرافعة لمشروعها التوسعي، وللعب دور أكبر من حجمها وقدراتها، ووصلت إلى مرحلة الندية بالجلوس مع القوى الكبرى-بتوقيع اتفاق نووي خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2015-مع مجموعة (5+1)-في عهد الرئيس أوباما- ما أطلق يد إيران للتدخل في المنطقة وتفاخر قادتها "بالسيطرة عبر أذرعها على 4 عواصم عربية"-(بغداد-دمشق-بيروت-وصنعاء)- وتحول الفصائل المدعومة من إيران في تلك الدول الأربع لكيانات أقوى من الحكومات الوطنية!، بالإضافة إلى اكتشاف خلايا إرهابية وخلايا نائمة في دول خليجية من مواطنين خليجيين دربتهم وأدلجتهم وسلحهم الحرس الثوري الإيراني وحزب الله-أكبر تلك الخلايا الإرهابية كان في الكويت. تضامنت دول مجلس التعاون الخليجي مع السعودية، بعد الاعتداء على سفارتها في طهران والقنصلية العامة في مشهد عام 2016-وقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران وطرد السفير الإيراني والبعثة الدبلوماسية من السعودية، بخفض التمثيل الدبلوماسي للكويت وقطر والإمارات لمستوى القائم بالأعمال- لتعيد قطر سفيرها في طهران بعد اندلاع الأزمة الخليجية-بينما عينت الكويت والإمارات سفيرين لهما، هذا الشهر. بينما تنخرط السعودية وإيران بجولات مفاوضات بوساطة عراقية منذ أبريل 2021، لكن لم تثمر عن تواصل مباشر بين وزيري خارجية البلدين أو بزيارات رسمية بينهما بعد، يبدو بانتظار انتهاء مفاوضات النووي. ساهمت الأزمة الخليجية في إضعاف كيان مجلس التعاون الخليجي الذي كان قبل الأزمة الجزء الوحيد السليم في جسد النظام العربي المترهل، كما تنبأت وشرحت في كتابي "أزمات مجلس التعاون لدول الخليج العربية (2019)-ساهمت الأزمة الخليجية الأخطر والأطول في تاريخ المجلس بخسارة جماعية لدولنا وهمشت مجلسنا. تلعب دولة قطر بدبلوماسيتها النشطة دوراً محورياً في فتح قنوات تواصل تقديم مبادرات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية ونقل وجهات نظر الطرفين حول برنامج ومفاوضات النووي الإيراني، للتوصل لاتفاق مرضي، وكان أمير قطر سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الزعيم الخليجي الوحيد الذي زار البيت الأبيض بدعوة من الرئيس جو بايدن في يناير 2022-وكان من مواضيع النقاش بالإضافة لأمن الطاقة وترقية العلاقات الأمريكية لمستوى حليف رئيسي من خارج حلف الناتو-ملف ومفاوضات النووي الإيراني. كما استضافت قطر مفاوضات غير مباشرة بين الطرفين الأمريكي والإيراني في الدوحة في يونيو الماضي لجسر هوة الخلافات وتقريب وجهات النظر بين الطرفين. آخر مساعي دولة قطر كان اتصال نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني مع وزير الخارجية الإيراني قبل أيام-لمناقشة العودة لخطة العمل المشتركة للاتفاق النووي، بعد تحقيق اختراقات وتقدم ملحوظ في مسار المفاوضات التي وصلت لمراحلها الأخيرة، وتأكيده: "تتطلع قطر للتوصل لاتفاق نووي بين إيران وأمريكا لأنه يصب في مصلحة المنطقة". تبقى إيران دولة مؤثرة إقليمياً، والسياسة الواقعية تحتم علينا في دول مجلس التعاون الخليجي صياغة وبلورة خطة عمل ومشروع خليجي جامع وموحد في مقارباتنا لإيران، ونساهم بقيام نظام أمني خليجي-إقليمي مستقر بعيداً عن العسكرة، حتى تعود دول مجلس التعاون الخليجي لقيادة النظام الأمني العربي على أمل تحقيق المشروع توازن قوى إقليمي، ينهي الهواجس المتبادلة، ويعزز الوصول لتحقيق التعايش بين ضفتي الخليج، وتحقيق أمن واستقرار المنطقة بأسرها. أستاذ في قسم العلوم السياسية - جامعة الكويت @docshayji