16 سبتمبر 2025

تسجيل

إعلامٌ هابطٌ وذبابٌ إلكترونيٌّ جاهلٌ

29 أغسطس 2018

بينما تتهاوى قصورُ الأوهامِ التي بنتها القيادة السعوديةُ، يزدادُ إعلامها وذبابها الإلكترونيُّ ضراوةً في السفاهةِ السياسيةِ، والانسلاخِ عن الإسلامِ والعروبةِ،  كما سنناقشُ في النقاط التاليةِ:       1) انعدامُ الرؤيةِ الاستراتيجيةِ: مهما كانتْ مواقفنا من سياساتِ الولاياتِ المتحدةِ، فإنها تظلُّ دولةً تديرُ شؤونها المؤسساتُ، ولا تخضعُ لسلطةِ الفردِ الواحدِ. وإذا كان ترامب يمرُّ بفترةٍ عصيبةٍ بسببِ اتهامه بخرقِ القوانينِ الانتخابيةِِ، فإنَّ ذلك لا يعني أنه سيُعزلُ، لأنَّ عزله ليس مسألةً قانونيةً بحتةً، كما يعتقدُ كثيرونَ، وإنما إجراءٌ سياسيٌّ معقدٌ وطويلٌ يتم داخل مجلسي النواب والشيوخ، ويعتمدُ على وجودِ أغلبيةٍ فيهما من الحزبِ الديمقراطيِّ الذي لا ينتمي إليه. وهذا الأمرُ برمته لا ينبغي أنْ تبني الدولُ سياساتها عليه، وإنما على علاقاتها بأمريكا كدولةِ مؤسساتٍ، وهو ما نرتكزُ عليه في علاقاتِ بلادنا بها. أما السعوديةُ والإماراتُ، فقد اعتمدتا في سياساتهما الرعناءِ على علاقاتٍ شبه شخصيةٍ مع ترامب ظناً منهما أنَّ المالَ والانحيازَ للمشروعِ الصهيونيِّ هما المفتاحانِ اللذانِ سيجعلانِ منهما دولتينِ عظميينِ إقليمياً بدعمٍ منه. وبالطبعِ، فإنَّ ذلك يشيرُ إلى خللٍ عظيمٍ في تخطيطهما الاستراتيجيِّ، ويجعلُ من مغامراتهما في المنطقةِ مرهونةً بالعاملِ الخارجيِّ، ويزيدُ من اضمحلالِ تأثيرهما ومكانتهما في أوساطِ العربِ والمسلمينَ. وإذا تابعنا بدقةٍ ما يضجُّ به إعلامُ السعوديةِ وينعقُ به ذبابها الإلكترونيُّ، فسنلاحظُ حالةَ الانفصالِ عن الواقعِ الذي يعيشانها، لأنهما يدافعانِ عن ترامب وكأنهما جزءٌ من المجتمعِ الأمريكيِّ. والمضحكُ في أدائهما أنهما يتحدثانِ عن بلادنا كعدوٍّ لأمريكا، في حين أنها حليفٌ لها، وتربطها بها علاقاتٌ مؤسسيةٌ وثيقةٌ في النواحي العسكريةِ والاقتصاديةِ والسياسيةِ، بالإضافة إلى شراكتها معها ومع المجتمعِ الدوليِّ في الحربِ على الإرهابِ.         2) حديثُ إفك معاصر: يبدو واضحاً للجميعِ أنَّ تسطيحَ العقولِ هو وسيلةٌ رئيسةٌ لدى قياداتِ دولِ الحصارِ التي لا تنوي القيامَ بإصلاحاتٍ حقيقيةٍ تلبي ولو جزءاً يسيراً من مطالبِ شعوبها، لذلك تعمل على شغلها بقضايا مكذوبةٍ، وتصنعُ لها أعداءَ وهميينَ. وخيرُ دليلٍ على ذلك ما تابعناه من حديثِ إفكٍ سعوديٍّ إماراتيٍّ ضد فضيلةِ الشيخِ الدكتورِ يوسف القرضاوي الذي قالَ في تغريدةٍ له إنَّ الله ليس بحاجةٍ للحجِّ وإنما فرضه تزكيةً واختباراً للنفوسِ. وهي جزءٌ من خطبةٍ له في نهايةِ تسعينياتِ القرنِ الماضي استند فيها الى القرآنِ الكريمِ والحديثِ الشريفِ. لكن أصحابَ النفوسِ المريضةِ استثمروها للهجومِ عليه، وخرجت الصحفُ التي يديرها دليم القحطاني بعناوينَ عن هدمه للركنِ الخامسِ للإسلامِ، وشارك أنور قرقاش في الحملةِ قائلاً إنه يسيسُ الحجَّ إرضاءً لقطرَ، واندفعَ الذبابُ الإلكترونيُّ شاتماً فضيلته بأحطِّ النعوتِ. وبالطبعِ، فإنَّ ذلك لم يكن غيرةً على الإسلامِ وإنما كانَ جزءاً من مخططٍ يهدفُ لقتلِ الروحِ الحداثيةِ والحضاريةِ لديننا، والتي يمثلُ الشيخُ إحدى ركائزها، ليخلوَ الجوُّ لعلماءِ السلاطينَ الذين أحلوا للحاكم أنْ يقتلَ ثلثَ الشعبِ إذا رأى في قتله حياةً للثلثينِ الآخرينِ، كما قال داعيتهم علي المالكي في لقاءٍ متلفزٍ.       3) تسييسُ الخطابِ الدينيِّ: فبينما كان وزيرُ الشؤونِ الإسلاميةِ السعوديُّ يكادُ يذوبُ وجداً وهو يمدحُ إنسانيةَ الكيانِ الصهيونيِّ الذي سماه بدولةِ إسرائيل، لأنها لم تمنعِ المسلمينَ من الحجِّ، متناسياً أنَّ هؤلاءِ المسلمينَ هم أشقاؤنا الفلسطينيون أصحابُ الأرضِ الأصيلينَ وليسوا مواطنينَ في دولةِ الكيانِ الغاصبِ، كانَ اليمنيونَ على موعدٍ مع جريمةِ حربٍ جديدةٍ يرتكبها الطيرانُ الحربيُّ السعوديُّ والإماراتيُّ في مدينةِ الحديدةِ، ذهبَ ضحيةً لها عشراتُ الأطفالِ والنساءِ. لكن الوزيرَ وعلماءَ السلاطينِ لم تهز الجريمةُ قلوبهم، ولا حركتْ في نفوسهم روحَ الإسلامِ وإنسانيته، فهم منشغلونَ بأمورٍ أعظمَ أهميةً عندهم من دماءِ المسلمينَ، تتعلقُ بطاعةِ وليِّ الأمرِ التي يقدمونها على طاعةِ اللهِ تعالى. فهل ننتظرُ من هؤلاءِ كلمةَ حقٍّ لصالحِ الفلسطينيينَ والسوريينَ والليبيينَ والروهينغيا، أو صمتاً عن الباطلِ المتمثلِ في حصارِ بلادنا ومنعِ شعبنا من حقه الأصيلِ في الحجِّ؟.