13 سبتمبر 2025

تسجيل

لشبونة

29 أغسطس 2016

وأنا أقلب ذهني، محاولاً أن أتذكر قراءاتي في الأدب الأجنبي والعربي، وما علق منها في ذاكرتي، كما أفعل من حين لآخر، كتمرين للذاكرة، عثرت على عشرات المدن، موجودة ليس بأسمائها فقط، ولكن بجميع عوالمها، داخل روايات كثيرة سواء أن كانت عربية أو أجنبية. الكتاب هنا، يمسكون بيد القارئ، يقودونه عبر شوارع واسعة أحيانا، وضيقة في أحيان أخرى، يدخلونه مولات التسوق، والأحياء الشعبية والراقية، وبؤر الضجة وجذب السواح، وحتى المواخير والأندية الليلية بكل مواصفاتها، في سياحة أشبه بالسياحة الحقيقية التي يقوم بها أحد داخل مدينة ما. هذه المدن المذكورة، بعضها يتكرر في عدة روايات، بينما مدن أخرى لا ترد أسماؤها، ولا أي مرة، برغم ما فيها من ضجيج وصخب، واحتمال أن تولد داخلها القصص الغريبة، وتنمو باستمرار. هذا لا يعني بالتأكيد خصوبة مدن معينة، مقابل جفاف أو عقم، مدن أخرى، فقط، بعض الأماكن تحتاج لوقت طويل من استيعاب تاريخها وحاضرها وحيلها أيضا، والاحتكاك بذاكرتها، حتى تساهم في عمل أدبي.. والمثير في الأمر، إن الكتب الأدبية التي تذكر مدنا بعينها، تمنح أيضا قدرا من التشويق، ليس للقارئ العادي وحده، وإنما لكتاب الرواية أيضا، الذين قطعا يودون التعرف إليها عن قرب، ليكتشفوا إيحاءها وحدهم. لذلك حين قرأت روايات مثل: ليلة لشبونة للألماني أريك ماريا، والشتاء في لشبونة للإسباني أنطونيو مونيوز مولينا، وبيريرا يدعي للإيطالي الراحل: أنطونيو تابوكي، التي تدور أحداثها أيضا داخل لشبونة في البرتغال، تملكني إحساس غريب بأنني ربما أضعت شيئا هاما، بعدم زيارتي لشبونة حتى الآن. ورغم أن تلك الأعمال لا تشبه بعضها في أي شيء، ولا يربط بينها سوى ما وهبته لشبونة من مكان وأجواء وطقوس، إلا أن القارئ يحس بالفعل أنها متشابهة، وقريبة من بعضها. ليلة لشبونة كانت عملا عظيما عن الحرب العالمية الثانية، وما سطرته من مأساة للشعوب الأوروبية، تماما كما تفعل حروبنا في الوطن العربي الآن، من تشريد وقتل، وتدمير للبنى التنموية للدول، وطمس لهويات الشعوب المغلوبة، إنها رواية واضحة ولئيمة جداً في جعل العدو عدوا وكفى، والصديق في زمن الحرب عدوا، أشد ضراوة من العدو نفسه.