27 أكتوبر 2025

تسجيل

جلسة

29 يوليو 2014

لم أستسغ تلك الزيارة ولا وددت الذهاب لولا الخوف من أن تغضب هيلينا، التي كانت تعشق تلك الجلسات، وتعقد الصداقات بالوسطاء الروحيين، وأخبرتني كاذبة أن ذلك جزء من بحث تجريه، لتقدمه في إحدى الجامعات، وأعرف أنها مثلي، لم تقف على باب جامعة قط. كان بيت الوسيطة غاية في الكآبة، ويقع في بلدة صغيرة في الريف الإنجليزي، قريبا من إحدى الغابات الموحشة، ووصلنا إليه عبر طريق ضيق قطعناه خبا في أول الليل، بعد أن رفض سائق العربة، ورفضت خيوله أن تتوغل أكثر من ذلك. بيت رمادي من الداخل والخارج، أبوابه رمادية وستائره رمادية، ومدفأته محشوة بالرماد، والشموع التي كانت تضيء البهو حيث جلسنا، في غاية الشح، لا تضخ سوى ضوء شاحب هزيل. وكانت الوسيطة لدهشتي الشديدة، فتاة لم يتعد عمرها الثانية والعشرين، ضئيلة الجسم، ووجهها أصفر ممتلئا بالبقع، وأستغرب كيف ومتى استطاعت تكوين اسم، جعلها معروفة بهذا الشكل ولدرجة أن تسمع بها هيلينا دا سيلفا، وتقودني صاغرا إلى جلستها هذه. كان عدد من الناس موجودين ساعة أن دخلنا، رجال ونساء يحملون ملامح مضطربة كما بدا لي، يجلسون في صمت، وأعينهم تتابع صوت الوسيطة الجارح، وهي تحكي شيئا من التفاصيل قبل بدء الجلسة، وكانت مخصصة لاستدعاء روح زوجة الشاعر الرومانتيكي المعروف بيرسي شيلي، التي انتحرت بإلقاء نفسها في إحدى البحيرات ذات مساء، وكان ذلك بناء على طلب أحد الحاضرين، وكان مغرما بذلك الشاعر، وأراد أن يستوثق ألا دخل له في انتحار الزوجة، ومن ثم يواصل الإعجاب به إلى ما لا نهاية، أو يتركه ويتفرغ للإعجاب بغيره من الشعراء، في حالة أن أثبتت الروح تورطه. كان طلبا غريبا، ويدل على هوس صاحبه واضطراب سلوكه، فما الجدوى من كل ذلك، وحتى لو جاءت روح المنتحرة وتحدثت بالفعل، وأقرت بأن الشاعر هو الذي ألقاها في البحيرة، وهو أمر أشك فيه، فماذا يفيد كل ذلك؟ أخذت أتأمل الجالسين، الصامتين محاولا أن أعرف صاحب ذلك الطلب، ولم يكن الأمر عصيا أو يحتاج لمحاضرات مستر ويلارد، فقد كانت امرأة. واحدة في منتصف الثلاثينات، سمراء وممتلئة الجسم بوضوح، وتحرك عينيها بلا توقف وتحمل بين يديها مخطوطا كتب بحروف كبيرة ذهبية اللون، إنه قصيدة الشاعر المسماة: أغنية للريح الغريبة.كنت الوحيد الذي يعض على تماسكه في جلسة غريبة، انطلقت وسط الفزع وانتهت وسطه، اليقين الذي أحمله بأن ما يحدث خرافة، وحيلة من حيل اكتساب المال، جعلني أبقى متماسكا إلى آخر لحظة.. أراقب الستائر الرمادية، تتحرك أعلى وأسفل، والشموع تنطفئ وتضيء وحدها، وأسمع صوت الوسيطة وقد اخشوشن، أرى جسدها يذبل، ووجهها وقد امتلأ بتجاعيد مفاجئة، وأظل كما أنا، وقد التصقت بي هيلينا دا سيلفا، أحاطتني بكامل جسدها. كانت المرأة ممولة الجلسة، قد هبطت تحت مقعدها وصرخت، وقصيدة الريح الغريبة قد طارت من يدها، والتصقت بالحائط في وضع تحفة علقت عمدا لإبهار الضيوف، وبقية الحاضرين، إما يرتجفون وإما يتصببون عرقا، وإما يتجهون بأنظارهم إلى باب البيت المغلق، كأنهم يبحثون عن حيلة للفرار. كان ثمة عواء مرتفع يأتي من خارج البيت.. وركضت قطة سوداء من ركن إلى ركن.الشاعر الرومانتيكي بيرسي شيلي، بريء من دم الزوجة المنتحرة