12 سبتمبر 2025

تسجيل

موقف

29 يوليو 2013

كان من بين الذين حضروا حفل تدشين الرواية، واصطفوا للحصول على توقيعي، في النسخ التي اقتنوها، رجل في نحو السابعة والأربعين، كان نحيفا، مقوس الظهر قليلا، يرتدي الثوب والعمامة، وحذاء عاديا من جلد الماعز الرخيص، ويبدو مهتزا في وقفته، يتلفت بلا انقطاع، كان من الأشخاص اللافتين للنظر، وقد لفت نظري بالفعل برغم الزحام، وكثرة الأسئلة والأجوبة. واستعجال البعض ليحصلوا على حوار قصير كما هي العادة في كل شأن ثقافي. رأيته يحتك بفتاة صغيرة، أمامه بشكل بدا لي غير متعمد، ورأيتها تلتفت ناحيته، وقد تغير وجهها، ثم تخرج من الصف وتمضي حاملة نسخة بلا توقيع، رأيته يفتح الكتاب، يطالعه لدقيقة ثم يغلقه، وحين وقف الرجل أمامي في النهاية، ووضع نسخته على الطاولة لأوقعها، لم يمد يده محييا كما فعل الآخرون، ألقى النسخة بإهمال، ووقف وكانت عيناه بعيدتين، تحدقان في أي اتجاه تصادفانه بلا تركيز. سألته عن اسمه لأكتبه، فالتفت ناحيتي، وكانت فرصة لأدون بريقا نابضا فر من عينيه لحظة وانطفأ. قال:  ليست لي ولكني سأهديها لخطيبتي رنيم، نسختي سأحضرها لك ذات يوم لتوقعها، اكتب إلى العزيزة رنيم، مع محبتي.  كتبت الإهداء إلى رنيم، على الصفحة الأولى وناولته الكتاب، فالتقطه ومضى يترنح. كان غريبا بالفعل، ولم يبد لي أبداً في هذه السن، وذلك الاهتزاز الظاهر، والملابس البلدية القحة، خاطبا محتملا لفتاة اسمها رنيم، وأعرف أنه اسم مستحدث في البلاد، لا يمكن أن تسمى به امرأة من جيل قديم يناسبه. لكني لم أدقق كثيرا، ولم ألبث أن نسيته وسط آخرين تجمهروا من حولي، وأصدقاء أرادوا أن نكمل الليل في مكان آخر، وحين خرجنا إلى الطريق بعد أن انتهى كل شيء، كان عاشق رنيم المهتز، لا يزال يترنح حول المكان، حاملا الرواية في يده اليمنى، وفي يده اليسرى سيجارة مشتعلة.  فجأة رأيته يقترب مني بخطوات سريعة، يتوقف أمامي، ثم يسألني بلا مقدمات، وهو يلهث: متى تعود من رحلتك؟ كان سؤاله سيكون عاديا جدا، لو أن رحلتي كانت معلنة. في الحقيقة لم تكن مؤتمرا ثقافيا، ليعرف أخباره أحد، ولم تكن لعلاج في الخارج، ليكتب أحدهم بأنني مريض وأسافر للعلاج. ولا أذكر أنني أشرت إلى سفر قريب، في صفحتي الشخصية، في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك. كانت رحلة خاصة من برنامج رحلات أقوم بها من حين لآخر، لرؤية بلاد جديدة، واكتساب خبرات أحتاجها بشدة. ولم أخبر بها حتى أصدقائي ممن يقفون معي الآن، ويحاولون حمايتي من رجل ظنوه مهاجما. قلت: لا أدري، وابتعدت، وأحاول أن أنحت ذهني باحثا عن مصدر، ربما عرف عاشق رنيم كما سميته، عن طريقه قصة سفري، ولا أعثر على شيء، وكان ما أردت ترسيخه في ذهني حتى لا أزيد الذهن إرهاقا، هو أن الرجل قد خمن بأنني مسافر، ولا شيء آخر.