20 سبتمبر 2025
تسجيلسعادة المؤمن أن يعيش مع تفسير القرآن العظيم ليفهم كلام ربّ العالمين حين يتلوه أو يُتلى عليه، واليوم نستعرض ما تيسر من سورة "المنافقون" ، وهي سورة مدنية ذلك أن النفاق ظهر في المدينة بعد قيام الدولة الإسلامية فظهرت فئة تظهر خلاف ماتبطن وانكشفت حقيقتهم في غزوات النبي صلى الله عليه وسلم لما رفضوا الخروج مع النبي للقتال وبدأت السورة تفضح طريقتهم في المداراة والنفاق . قال تعالى ( إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) (1) ( إذا جاءك المنافقون) أي حضروا مجلسك ( قالوا نشهد إنك لرسول الله) مؤكدين كلامهم بأن واللام للإيذان بأن شهادتهم هذه صادرة عن صميم قلوبهم وخلوص اعتقادهم ووفور رغبتهم ونشاطهم وقوله تعالى ( والله يعلم إنك لرسوله) اعتراض مقرر لمنطوق كلامهم وسط بينه وبين قوله تعالى ( والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) تحقيقا وتعيينا لما نيط به التكذيب من أنهم قالوه عن اعتقاد كما أشير إليه وإماطة من أول الأمر لما عسى يتوهم من توجه التكذيب إلى منطوق كلامهم أي والله يشهد إنهم لكاذبون فيما ضمنوا مقالتهم من أنها صادرة عن اعتقاد وطمأنينة قلب والإظهار في موقع الاضمار لذمهم والإشعار بعلة الحكم. قال تعالى ( اتخذوا أَيْمانهم جُنةً فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ماكانوا يعملون)(2) ( اتخذوا أيْمانهم) الفاجرة التي جملتها ما حكى عنهم ( جُنة) أي وقاية عما يتوجه إليهم من مؤاخذة بالقتل والسبي أو غير ذلك واتخاذها جنة عبارة عن إعدادهم وتهيئتهم لها إلى وقت الحاجة ليحلفوا بها ويتخلصوا عن المؤاخذ ة لا عن استعمالها بالفعل فإن ذلك متأخر عن المؤاخذة المسبوقة بوقوع الجناية واتخاذ الجنة لا بد أن يكون قبل المؤاخذة وعن سببها أيضا كما يفصح عنه الفاء في قوله تعالى (فصدوا عن سبيل الله) أي فصدوا من أراد الدخول في الإسلام بأنه (عليه الصلاة والسلام ) ليس برسول ومن أراد الإنفاق في سبيل الله بالنهي عنه كما سيحكى عنهم ولا ريب في أن هذا الصد منهم متقدم على حلفهم بالفعل وقرئ إيمانهم أي ما ظهروه على ألسنتهم فاتخاذه جنة عبارة عن استعماله بالفعل فإنه وقاية دون دمائهم وأموالهم فمعنى قوله تعالى فصدوا حينئذ فاستمروا على ماكانوا عليه من الصد والإعراض عن سبيله تعالى (إنهم ساء ماكانوا يعملون) من النفاق والصد وفي ساء معنى التعجب وتعظيم أمرهم عند السامعين. قوله تعالى ( ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون) (3) ( ذلك) إشارة إلى ماتقدم من القول الناعي عليهم أنهم أسوأ الناس أعمالا أو إلى ماوصف من حالهم في النفاق والكذب والاستتار بالإيمان الصوري ومافيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه لما مر مرارا من الإشعار ببعد منزلته في الشر (بأنهم) اي بسبب أنهم (امنوا) أي نطقوا بكلمة الشهادة كسائر من يدخل في الإسلام (ثم كفروا) أي ظهر كفرهم بما شوهد منهم من شواهد الكفر ودلائله أو نطقوا بالإيمان عند المؤمنين ثم نطقوا بالكفر عند شياطينهم (فطبع على قلوبهم) حتى تمرنوا على الكفر واطمأنوا به (فهم لا يفقهون) حقيقة الإيمان ولا يعرفون حقيقته أصلا.