11 سبتمبر 2025
تسجيلهناك مسألة مهمة وهي مسألة عالم الشيطان والشياطين والجن وهي من المسائل الغيبية التي ما زالت تصطدم بذكائنا الفطري والذي ما زالت الإنسانية تبحث عن ماهيته وحقيقته في الوصول إلى هذا العالم الذي يعتبر الوصول إليه مستحيلاً.. إنه عالم الشياطين وعالم الجن والذي أمكننا معرفته نحن المسلمين وفق عقيدتنا الإسلامية عن طريق القرآن الكريم كتاب الله الدستور الإلهي الخالد الذي وضَّح لنا حقيقة هذا العالم الغيبي الرهيب في عوالمه وأسراره، إنه عالم مقترن بخاصية خلق أخرى وهي خاصية الخلق من نار في حين نحن البشرية والإنسانية عالمنا هو ما نعرفه أننا خلقنا من الطين وهذا هو ما أشارت إليه الآية الكريمة من قول الحق سبحانه وتعالى على لسان إبليس وهو من الجن وقصته المعروفة في القرآن الكريم مع أبينا آدم عليه السلام، أبو البشر، في بدابة الخلق بقوله تعالى: "قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ" الآية 12 سورة الأعراف. وفي الآية الأخرى من قوله تعالى أيضاً على لسان إبليس: "قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ" الآية 76 سورة ص.. وهذا الخلق من النار وصفتها في عالم الجن والشياطين وفق معتقدنا نحن المسلمين أن هذا العالم أيضاً مهمته كمهمتنا وهي تحقيق العبودية لله سبحانه وتعالى الذي خلق الإنسانية من الطين وخلق هذا العالم من الجن من النار، وكما أشار الحق سبحانه وتعالى إلى ذلك بقوله في الآية الكريمة: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" الآية 56 سورة الذاريات.. إن هذا العالم الغيبي وهو عالم الجن والشياطين الذين خلقوا من صفة النار لهم من الخواص والقدرات الهائلة في التعامل مع مجريات الطبيعة في هذا الكون الشاسع بحيث إن هذه القدرات لا يمكن لنا نحن الإنسانية أن نمارسها أو نفعلها، فهي معجزات وقدرات خارقة فوق قدرتنا وطاقتنا البشرية المحدودة ولذلك وضحها لنا القرآن الكريم في قصة نبينا سليمان عليه السلام وهو النبي الملك في سلطانه وقوته وجبروته والذي سَخَّر الله له هذا العالم من عالم الجن الذين يصنعون بقدراتهم الخارقة للعادة سنداً قوياً لتعزيز الملك الذي كان يتمتع به نبينا سليمان عليه السلام وهو ما أشار إليه الحق سبحانه وتعالى بقوله: "وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ" الآية 17 سورة النمل، وكذلك أيضاً في سياق قضية نبينا سليمان عليه السلام مع ملكة سبأ والمعروفة قصتها في القرآن الكريم والتي طلب فيها نبينا سليمان عليه السلام من الجن إحضار عرشها إليه، وهو ما أشار إليه قوله سبحانه وتعالى: "قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ۖ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ" الآية 39 سورة النمل... هذه القوة الخارقة من هذا العفريت الجني الذي تعهد بأن يحضر عرش ملكة سبأ قبل أن يقوم نبينا سليمان عليه السلام من مقامه أي من مكانه الذي يجلس عليه وهو كرسي عرشه وملكه تدل دلالة واضحة على ما يتمتع به عالم الجن الذين خلقوا من خاصية النار بهذه القوة الخارقة الجبارة من إحضار عرش ملكة سبأ بهذه الصورة والتي هي في مقاييسنا البشرية ضرب من المستحيل ولا معقول لأن ما نعرفه نحن البشرية أن إحضار جسم أو غرض أو شحنة من مكان بعيد يتطلب وقتاً وزمناً وبحيث لا يمكن أن يكون متوفراً إلا عبر وسيلة من الوسائل التي نعرفها نحن الإنسانية كالطائرة النفاثة أو السيارة أو الباخرة والتي تتطلب وقتاً وزمناً في وصولها وتوفرها وإحضارها، ولذلك فإن قدرات هذه الشياطين الذين يتمتعون بهذه الصفات والقدرات الخارقة في تعاملهم مع النظام الكوني وضَّحَه الحق سبحانه وتعالى هنا في هذه الآية الكريمة بقوله: "وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَ وَجَعَلْنَٰهَا رُجُومًا لِّلشَّيَٰطِينِ ۖ " الآية "5" سورة الملك، وهو ما أشار إليه الإمام النسفي في تفسيره لهذه الآية بقوله، أي بكواكب مضيئة، ولعل المراد بهذه المصابيح الكواكب السيارة التي هي رجوم للشياطين والرجوم جمع رجم أو هو مصدر سُمي به ما يرجم به. ووضحه الإمام النسفي هنا بأنه ينفصل عنه شهاب قبس يؤخذ من نار فيقتل الجني أو يخبله.. انتهى كلامه. وعليه فإن الواضح والدال في هذه الآية على أن الحق سبحانه وتعالى جعل من الكواكب والنيازك أسلحة تواجه قوة هؤلاء الشياطين الخارقة التي تخترق آفاق هذا الكون بسماواته العلى وفضائه الواسع متوجهة إلى عالم السماوات فتصدها وتمنعها من الوصول إلى ما تريده ولنا أن نتصور مدى القوة الخارقة لهؤلاء الشياطين والتي تنطلق نحو آفاق السماء فتصدها هذه الكواكب وتمنعها، وهذا دليل واضح على القوة الهائلة لهذه الشياطين المخلوقة من صفة النار في الاختراق والقدرة على ما لا يمكن أن نتمتع به نحن الإنسانية في صفات خلقنا الطيني الذي له قدراته المحدودة في الوصول إلى آفاق السماء وعالم الكون والفضاء بعد أن استخدمنا عقولنا البشرية وسلطان العلم والاختراع في اختراع مركبات فضائية وأقمار صناعية أوصلتنا إلى سطح القمر وبعد جهد جهيد، وأبحاث سنين طويلة لاختراق الفضاء.. ومعرفة قوانين الجاذبية.. وعلوم الحسابات الكونية وغيرها مما أنتجه ذكاؤنا الاصطناعي الذي نعرفه حالياً ومما أشرت إليه سابقاً. وللمقال بقية الأسبوع المقبل [email protected]