12 سبتمبر 2025
تسجيلكان ذلك الجيل من الآباء لا يعوّض، الجيل الذي وجد خلاصة حلمه في الأبناء، فاستبقوا إلى الميدان الجديد (التعليم) يقتطعون من لحمهم، ليكمل أولادهم مسيرة الدراسة، وكان حلمهم أن يصيدوا ذلك الهدف البعيد بأبنائهم، فيرتقون في المجتمع الجديد، مجتمع (الأستاذ والدكتور والمهندس والمحامي)، فيجدون في الأولاد النابهين "فئران الكتب" لاعبي المستقبل الذين سيقطفون الضوء. وتماماً كما يتابع غاوو الكرة ترتيب فرق الدوري من مباراة إلى أخرى. كان آباؤنا يتفقدون دفاترنا ودرجاتنا وقصصنا اليومية مع الدروس والمعلّمين، فتسري في المجتمعات شفاهيات مؤثرة عن التفوق والطموح والتحوّل.لكنّ المحزن في كثير من الحكايات أنّ المدربين يموتون قبل ظفر اللاعب (الابن) بميدالية (الشهادة الكبيرة)، فيأتي التتويج حاملاً معاني جديدة. حدث هذا معي، ثم مع جملة من الأصدقاء، وقد حاولت القبض على المعنى، المعنى الناقص للفوز في السباق دون أن تجد مشجّعك المتحمّس على خطّ النهاية، ليحتضنك، وتذرفان معاً دموع الفرح. هناك آباء يتعثر الأبناء بظلّهم المديد، يتعثّر بفيض الحبّ الذي تعجز سدود العالم عن لجمه، ولم يعد لنا في الأمتار القليلة سوى ترتيب الحكايات البسيطة لآباء وقفوا هناك على تخوم الأبدية، ولم يبق من تلك التجارب إلا صور لآباء كبر أبناؤهم، ولكنّ صرخات الطفولة مازالت فيهم تنظر إلى البعيد، كان معنى القوس والسهم يلحّ عليّ حتى كتبته في نصّ "وكنّا سهاماً لأقواسهم/ فرمونا إلى حيث لم يصلوا/ فوصلنا". وفي يوم الأب؛ مازال أبي ماثلاً أمامي في إهاب الشيخ، وأنا في موقف القلق والخوف والحبّ، ما زلت ذلك الطفل الذي يقف بين يدي أبٍ وجد في أبنائه إخوته الذين غادروا الحياة سريعاً، وعشيرته وقد قضى شطر حياته غريباً. كان اليتم قد حفر فينا أخدوداً عميقاً، ولم أجد رثاء يليق به لأكتبه، ولكني بعد عشرين سنة قبست من تلك اللحظات ما يصلح ليكون نصّاً.