14 سبتمبر 2025
تسجيلمن ميزات القصة في القرآن تكررها مع عدم تكرار زاوية الرصد منها، وتلك خصيصة اختص بها القرآن، ولابد هنا أن نثبت حقيقة أن التكرار بصفة عامة سواء تكرار الأداة أو تكرار الكلمات قبل أن نخوض في الحديث عن القصص القرآني.لقد ذكر أهل الفن أن التكرار في القرآن له فوائد عند التأمل ونضرب مثلا على ذلك تكرار الأداة: في مثل قوله تعالى:(ثم إن ربك للذين هاجروا من بعدما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحِيِم)ـ(ثم إن ربك للذيِن عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم) والظاهر من النظر في الآيتين تكرار: إنَّ ـ فيهما، وهذا الظاهر يقتضي الاكتفاء ب: إنَّ ـ الأولى، ولم يطلب إلا خبرها، وهو في الموضعين أعني الخبر: لغفور رحيم ـ لكن هذا الظاهر خولف وأعيدت: إنَّ ـ مرة أخرى، ولهذه المخالفة سبب، وهذا السبب هو طول الفصل بين: إنَّ ـ الأولى وخبرها، وهذا أمر يُشعِر بتنافيه مع الغرض المسوقة من أجله: إنَّ ـ وهو التوكيد، لهذا اقتضت البلاغة إعادتها لتلحظ النسبة بين الركنين على ما حقها أن تكون عليه من التوكيد، على أن هناك وظيفة أخرى هي: لو أن قارئاً تلا هاتين الآيتين دون أن يكرر فيهما: إنَّ ـ ثم تلاهما بتكرارها مرة أخرى لظهر له الفرق بين الحالتين: قلق وضعف في الأولى، وتناسق وقوة في الثانية، ومن أجل هذا الطول كررت في قول الشاعر: وإن امرأ طَالَتْ مَوَاثِيقُ عَهْدِهِ *** عَلَى مِثْلِ هَذاَ إنَّهُ لَكَرِيمُ ـكذلك: تكرار الكلمة مع أختها:ومن أمثلتها قوله تعالى: (أولئك الذين لهم سوء العذاب وهم في الآخرة هم الأخسرون)فقد تكررت: هم ـ مرتين، الأولى مبتدأ خبرها: الأخسرون ـ والثانية ضمير فصل جيء به لتأكيد النسبة بين الطرفين وهي: هُمْ الأولى بالأخسرية،وكذلك قوله تعالى: (أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال فِي أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)ـ تكررت هنا: أولئك ـ ثلاث مرات، ولم تجد لهذه الكلمة المكررة مع ما جاورها إلا حسنًا وروعة، فالأولى والثانية: تسجلان حكماً عامًّا على منكري البعث: كفرهم بربهم، وكون الأغلال في أعناقهم، والثالثة: بيان لمصيرهم المهين، ودخولهم النار، ومصاحبتهم لها على وجه الخلود الذي لا يعقبه خروج منها، ولو أسقطت: أَولئك ـ من الموضعين الثاني والثالث لركَّ المعنى، واضطرب، فتصبح الواو الداخلة على: الأغلال في أعناقهم ـ واو حال، وتصبح الواو الداخلة على: أَصحاب النار هم فيها خالدون ـ عاطفة عطفاً يرك معه المعنى؛ لذلك حسن موضع التكرار في الآية، لما فيه من صحة المعنى وتقويته، وتأكيد النسبة في المواضع الثلاثة للتسجيل عليهم بسوء المصير..