10 سبتمبر 2025
تسجيلفي ظل المتغيرات المجتمعية التي طرأت علينا خلال العقود الماضية، رافق ذلك تغيير في طبيعة الأفراد نتيجة التغيير البيئي والثقافي في المجتمع. وظهرت في المجتمع الكثير من الصور والدلالات التي تبين تأثير التغييرات بين فئات المجتمع. بطبيعة الحال منها الإيجابي والسلبي الذي أثر على هوية المجتمع وأفراده. منها ظاهرة التباهي التي أضحت اليوم كثقافة مجتمع لدى الكثير منهم، الذي بدوره تجاوز إلى حد كبير طاقة الفرد المادية. على سبيل المثال لا مانع بأن يأخذ قرضا من أجل كماليات فارغة والذي وصل إلى حد الاستهلاك المفرط على مختلف المستويات، التي من الضرورة تواكب مقتضيات التباهي الفردية في المجتمع. إن من أحد الأسباب النفسية للاستهلاك المفرط هو تعويض لنقص ما، لسد حاجة نفسية، كالحاجة للتقدير أو الشعور بالأمان أو غيرها أخرى قد تكون غير واعية في عقله الباطن. فالتباهي يكون للتعالي على الجميع، ليذل من حوله ويقول: أنا أعز وأكبر ولا تملكون ما أملك. يقول الله تعالى: (وأما بنعمة ربك فحدث)، وليس المقصود أن يرى نفسه على الناس، ولا ليتكبر على الناس وإنما ليحمد الله، ويشكره السامعون. بالإضافة إلى ذلك من الأسباب الرئيسة للرفاهية المزيفة هو يكون تقليدا للغير وإن كانت الكلفة كبيرة، فالمهم أن لا يكون أقل من أصدقائه في العمل أو المجلس أو في العائلة الواحدة. وفي هذا السياق تتباين طرق التباهي والتفاخر والعجب قد يكون (المال الثروة الجاه المنصب الجمال النسب العلم). ومن طرق التباهي التي تأثر بها مجتمعنا هو طقوس التباهي في المناسبات الاجتماعية كحفلات الزفاف والخطوبة وغيرها، والإسراف المبالغ فيه الذي يصل إلى صرف مئات الألوف من الريالات لأجل أن يكون حديث المجتمع في هذه المناسبة. إلى جانب ذلك من أنواعه التباهي في السفر. ها نحن مع اقتراب الصيف يبدأ موسم السفر الذي تبدَّل من موسم للراحة والاستمتاع والاسترخاء إلى موسم للتباهي والتفاخر بالسفر وبالملابس والساعات والسيارات في تلك العواصم البعيدة. بل واختيار الوجهات السياحية لها شروط تلائم مستوى الرفاهية الزائفة، خاصة فئة السيدات والشباب، حدِّث ولا حرج، من أجل الموضة والماركة، فيصبح هؤلاء ضحية للبذخ. يبرز ذلك التباهي بالماديات على مواقع التواصل الاجتماعي أكثر وأمام الأصدقاء، في العمل أو في اللقاءات الاجتماعيّة. فالمتباهي يعشق أن يكون متميزا مختلفا عن الآخرين من حوله، حتى لو كان على غير حقيقته، بل إنه لا يجد حرجا إن كذب. فذلك يعطي المتباهي شعورا بالثقة والسعادة وأنه الأفضل على الإطلاق. نحن بحاجة كبيرة للوعي العام وعدم قبول الاستمرار في هذه الشكليات الزائفة للحفاظ على مجتمعاتنا. والأصل أن المسلم كلما زادت نعم الله عليه، ازداد تواضعا وشكرا للمنعم. فالشيخ الشعراوي، رحمه الله، كان عندما يشعر في نفسه بذرة من الكبر والزهو وعزة النفس، يكسر تلك العزة على الفور، حيث كان مؤمنا أن العلم لا يدرك إلا بالتواضع، «فمن تواضع لله رفعه». اليوم وصلنا إلى درجة التباهي والتفاخر أمام الآخرين بالإنجازات الشخصية والمناصب، وذلك للفت نظر الآخرين له وإبهارهم به. وشعور الآخرين بعدم القدرة على الوصول لإنجازاته ونجاحاته، لأنه يرى نفسه أفضل من الجميع. إن الحل الأفضل للتعامل مع من يتباهى بممتلكاته هو الصمت وعدم إظهار الإعجاب ولا حتى التعليق. حتى لا يزيد في المبالغة في التباهي غير الحقيقي. في النهاية يقول المثل الإنجليزي أكثر الناس تفاخرا أقلهم فعلا. كل هذا وبيني وبينكم...