18 سبتمبر 2025

تسجيل

الاستنساخُ االسياسيُّ المشوَّهُ في دولِ الحصارِ

29 مايو 2018

كان بإمكانِ الإماراتِ والسعوديةِ أنْ تتصرفا كدولتينِ حديثتينِ متحضرتينِ، فتطرحا نقاطَ الخلافِ مع بلادنا على طاولةِ الحوارِ دونَ اللجوءِ إلى القرصنةِ ثم الحصارِ. لكننا لا نلومهما، فقيادتاهما قامتا باستنساخٍ سياسيٍّ وإعلاميٍّ مشوَّهٍ لتجاربَ وحالاتٍ بالغةِ السوءِ في دولٍ أخرى، وهو الأمرُ الذي اتضحَ جلياً خلالَ عامٍ من حصارِ بلادنا، كما سنرى في النقطتينِ التاليتينِ: 1) استنساخُ الترامبيةِ السياسيةِ: رغم مآخذنا الكثيرةِ على سياساتِ الولاياتِ المتحدةِ إلا أننا نعلمُ جيداً أنَّ رؤساءها من جورج واشنطن: 1789- 1797م، إلى باراك أوباما: 2009- 2017م، كانوا يعملونَ لبلادهم، ويقدمونَ مصالحها العليا على سواها. ثم جاء دونالد ترامب فقدمَ نموذجاً جديداً للرئيسِ التاجرِ الذي يرى في منصبه وسيلةً لتحقيقِ مصالح له ولأسرته حتى لو تعارضت مع مصالحِ بلاده. وأسوأ مظاهرِ الترامبيةِ السياسيةِ هو التصرفُ بعقليةِ الكاوبوي، بمعنى أنَّ الإدارةَ الأمريكيةَ في عهده أصبحتْ تتصرفُ بسوقيةٍ سياسيةٍ مسفةٍ تستندُ إلى التهديدِ والوعيدِ، وتفترضُ أنَّ الجميعَ عبيدٌ خاضعونَ ومن حقِّ الولاياتِ المتحدةِ أنْ تشاركهم في ثرواتِ بلادهم. ولو دققنا فيما جرى من الإماراتِ والسعوديةِ، خلال الاثني عشرَ شهراً الماضيةِ، فسنجدهما قد استنسختا الترامبيةَ استنساخاً مشوهاً. فالولاياتُ المتحدةُ تمارسُ دورها كقوةٍ عظمى استناداً إلى مؤسساتٍ يمكنها إصلاح خطايا الرئيسِ، أما هما، فلديهما قيادتانِ بلا مؤسساتٍ حقيقيةٍ تستندانِ إليها في اتخاذِ القرارِ أو إصلاحِ ما أفسدته قراراتهما. ولذلك، شهدنا كيف تعاملتا مع بلادنا من خلالِ التهديداتِ العلنيةِ والمبطنةِ، واجتذابِ أشخاصٍ لا وزنَ لهم قدمتاهم كحكامٍ ستفرضانهم علينا. أما في اليمنِ، فقد امتدَّ استنساخُ الترامبيةِ ليصلَ إلى التعاملِ مع بلدٍ كبيرٍ وكأنه حديقةٌ خلفيةٌ يتمُّ حرثها وتقسيمها وتقاسمُ خيراتها بلا مبالاةٍ بمصيرِ شعبها. ثم تفشتْ الترامبيةُ السياسيةُ في قيادتي البلدينِ فوصلتْ إلى أعلى درجاتها سوءاً حين بدأتْ تهدمُ ثوابتَ الأمتينِ العربيةِ والإسلاميةِ، وتتعاملُ مع العدوِّ كحليفٍ وصديقٍ، ومع الشقيقِ كعدوٍّ لا حقَّ له إلا بالتسبيحِ للمشروعِ الصهيونيِّ المسمى بصفقةِ القرنِ الذي تشاركانِ فيه بحماسةٍ منقطعةِ النظيرِ. 2) استنساخُ الحالةِ المصريةِ: منذ توقيعِ معاهدة كامب ديڤيد بين النظامِ المصريِّ والكيانِ الصهيونيِّ، لم تخرجْ مصرُ من التاريخِ فحسب، وإنما صنعتْ لها نموذجاً إعلامياً وسياسياً داخلياً منحطاً حضارياً، ومهلهلاً إنسانياً. فاعتمد إعلامها على الأضاليلِ، والأكاذيبِ، والبذاءاتِ، وتشويه التاريخِ. واستندتْ في سياساتها الداخليةِ إلى الاستبدادِ والقمعِ والحيلولة دون وجودِ أصواتٍ شريفةٍ تعارضُ النظامَ. ولأنَّ الترامبيةَ السياسيةَ التي استنسختها قيادتا الإماراتِ والسعوديةِ لا يمكنُ لها أنْ تحيا إلا في أجواءَ ملوثةٍ، فقد قامتا باستنساخِ الحالةِ المصريةِ، لكنهما عملتا على وصولها إلى أعلى درجاتِ الانحطاطِ الحضاريِّ. فالإعلامُ ووسائلُ التواصلِ الاجتماعيِّ فيهما شهدتا انحداراً أخلاقياً هائلاً في الخطابِ وصلَ إلى الإساءةِ للأعراضِ والشعوبِ، واحتضانِ المطبلينَ للصهيونيةِ، وتشويه تاريخِ الإسلامِ. والأمرُ الفريدُ في هذا الاستنساخُ أنه لم يكتفِ بالوجوهِ الإعلاميةِ المعروفةِ بلزوجةِ مواقفها، وإنما اجتذبَ إليه العلماءَ والدعاةَ والفنانينَ الذين هم عمادُ القوةِ الناعمةِ، فاحترقَ رصيدهم الشعبيُّ عربياً وإسلامياً. أما داخلياً، فكان التركيزُ على إغراقِ المواطنين في حالةٍ وهميةٍ من الحضارةِ تستندُ إلى ترفيههم شكلياً دون أنْ تقدمَ لهم إصلاحاتٍ حقيقيةً يتمُّ بموجبها إطلاقُ سراحِ المعتقلينَ، والسماحُ لشعبيهما بأدنى درجاتِ التعبيرِ الحرِّ. لقد كان الاستنساخُ السياسيُّ خطيئةً عظمى أفقدتِ قيادتي البلدينِ مكانتهما السياسيةَ في العالمِ العربيِّ، وصاراتا تواجهانِ حالةً من العزلةِ الفعليةِ لأنَّ الشعوبَ ترفضُ سياساتهما، بل تتعاملُ نفسياً وعقلياً معهما كجزءٍ من التهديدِ الذي تتعرضُ له أمتانا العربية والإسلاميةِ. كلمةٌ أخيرةٌ: انقضى عام من الحصارِ أدركنا فيه تميز بلادنا حضارياً وإنسانياً، وازدادت قوةُ تلاحمنا ووقوفنا صفاً واحداً خلفَ القامةِ الشامخةِ لسمو الأمير المفدى، وتعاظم إيماننا بصحة ما قاله سموه: نحن بألف خير من دونهم.