13 سبتمبر 2025

تسجيل

ولا تنسوا الفضل بينكم

29 أبريل 2015

آية من كتاب الله حاضرة في خطب المساجد ودروس العلم : تفسيرا وشرحا وتبيانا وتأصيلا وتقعيدا، لكن غيابها واضحا في أبيات المسلمين حين يحل الفراق بعد الشقاق محل الوفاق ، تجد في الأعم الغالب : أسرارا تكشف ومستورا يفضح وكذبا صراحا يلقى، وتلبيس للحق بالباطل يقذف، حتى لكأنك لا تستمع إلى زوجين عاشا معا ، أكلا معا شربا معا ، صحّا ومرضا ، جمعهم بيت واحد بل وفراش واحد . كل هذا أضحى بين عشية وضحاها سرابا فلا الزوج يذكر لزوجه حسنة ولا الزوجة تذكر لزوجها معروفا. والعجب أن بعض تلك الأبيات بينهم أطفال لكن شعرة معاوية كانت أبعد عن تفكيرهم ! ولحظات الود غيبتها نزواتهم ، فلا دينا أقاموه ولا خلقا رفيعا تمثلوه ، ورحم الله الإمام الشافعي يوم قال: الحر من حفظ وداد لحظة . نعم الحر هو الذي يحفظ الود فلا يغيبه، ويرعى حق الصحبة فلا يضيعها، وإن كانت في عمر السنين لحظة واحدة ، ولا ينسى الفضل لأهله وإن قلّ حجمه ، أو خف وزنه ، ولا ينسى ساعات الصفاء واللقاء و الود ، ولا أيام التزاور والتواصل وإن كانت قليلة.لقد جاءت هذه الآية العظيمة في معرض حديث القرآن عن الطلاق بين الزوجين :" وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" الله يأمر من جمعتهم أقدس علاقة إنسانية ، واستحالت العشرة الطيبة بينهما ألا ينسوا ما كان بينهما من معروف ، وأن يكون الفراق في إطار من الود يحفظ لكلٍ حقه فلا يعتدي على غيره ، لا اعتداء بالظلم ولا حتى بذكر المعايب وإن كانت حقا ، لا ينبغي في غمرة الغضب أن ينسى الطرفان ما كان بينهما من ود وإحسان ، فالطلاق مهما كان مرا قد يكون فيه حبل النجاة لكلا الطرفين كما قال تعالى :"وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته" ونكران الجميل بين الزوجين يدل على سوء من تحدث قبل سوء من فعل.لماذا لا تنتهي الحياة الأسرية بين الزوجين من غير محاكم ولا قضايا ولا ملوثات كلامية وخوض في أعرض وإخراج للمستور ما بين الزوجين ؟ لماذا يصر كل طرف -إنتصارا لنفسه أو تبريرا لفعله- أن يشوه من كانت تجمعه به صلة وود ؟لقد نبه القرآن ركني الحياة الزوجية أن يتذكرا ما كان بينهما من جوانب مشرقة - ولا تخلو الحياة من ذلك - وأن يترفعا عن الانتصار للذات بنشر ما ستره الله عز وجل مما لا يترتب عليه حق أو يبني عليه حكم.ويلاحظ ان الآية جاءت بعد ذكر العفو زيادة وترغيبا من التفضل وإمعانا في الترفع عن حظوظ النفس: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} لكن الواقع -وبحسرة نقولها – يبتعد تماما عن هذا الخلق العظيم ، فلا تكاد ترى من يكتم على زوجه أمرها ولا من تكتم على زوجها شأنه ، وهذا نقوله على الغالب فالخير لا ينقطع عن هذه الأمة.لقد وقفت أمام وثيقة طلاق بين زوجين قلت يا ليتها تروي ولا تطوى ، ويا ليتها تعلق على أبواب المحاكم الشرعية كمثال واقعي لمن اتسم بالأخلاق والتزم أمر الله في عدم نسيان الفضل بين الناس. اضطر الفقيه الكبير أبو البركات ابن الحاج إلى طلاق زوجته السيدة عائشة الكنانية ، فكتب هذه الوثيقة:" يقول عبد الله الراجي رحمته ، المدعو بأبي البركات ، اختار الله له ، ولطف به : إن الله جلت قدرته ، أنشأ خلقه على طبائع مختلفة ، وغرائز شتى ، فمنهم السخي والبخيل ، وفيهم الشجاع والجبان ، والغبى والفطن ، والمتكبر والوضيع ، فكانت العشرة لا تستمر بينهم إلا بأحد أمرين ، إما بالإشتراك فى الصفات أو فى بعضها ، وإما بصبر أحدهما على صاحبه مع عدم الإشتراك ، ولما علم الله أن بني آدم على هذا الوضع شرع لهم الطلاق ، ليستريح إليه من عيل صبره على صاحبه ، توسعة عليهم ، وإحسانا منه إليهم.فلأجل العمل على هذا طلق عبد الله محمد أبو البركات ابن الحجاج زوجته الحرة العربية المصونة ، بنت الشيخ الوزير الحسيب النزيه ، المرحوم أبي عبد الله محمد بن إبراهيم الكناني ، طلقة واحدة ، ملكت بها أمر نفسها ، ونطق بذلك إراحة لها من عشرته ، طالبا من الله أن يغني كلا من سعته ، وشهد بذلك على نفسه في صحته وجواز أمره" لله درك من رجل صاحب مروءة وفضل ، لله درك من رجل راقب الله فلم يحمله الغضب على ذكر ما صح عن زوجته من معايب . هذا هو الوفاء لمن عرف معناه وتقيد به ، ولله در من قال: إن الوفاء على الكرام فريضة *** واللؤم مقرون بذي النسيان وترى الكريم لمن يعاشر حافظا *** وترى اللئيم مضيع الإخوان إلا مهلا أيها الزوجان إما معاشرة بالمعروف أو فراق بالإحسان ، ولا تنسوا الفضل بينكم حتى لا يذهب المعروف والفضل بين الناس.