14 سبتمبر 2025

تسجيل

صفحة من مذكرات مهرجان الدوحة المسرحي

29 مارس 2016

تكبر المسؤولية وتعظم كلما جمع الحدث شتاته وابتلع خطواته؛ في سبيل تقليص تلك المسافات التي تفصله عن النهاية المرجوة التي سيقترب منها حتى وإن لم تكن لتحمل له في رحمها (ما يُرجى)، وهو ما لا يهم بتاتاً؛ لأن البداية التي ستعقب تلك النهاية هي ما ستكون مهمة للغاية، بحكم أنها ستُقدم على مسح كل ما قد سبق؛ كي تأتي بجديد تترقبه الضمائر، التي تسعى وعلى الدوام إلى إحداث التغيير المطلوب كقاعدة أساسية لـ (مهمة الإصلاح)، القادرة على تحسين وضع المجتمعات، وهو ما يحدث عادة من خلال الفنون التي يتقدمها (المسرح)، الذي يُمسك بكل الخيوط التي تمنحه القدرة اللازمة؛ لإدارة الأمور، ومن ثم التحكم بها على خير وجه، فهي هذه الحقيقة التي أخرج بها على الدوام مع غروب لحظاتي، وشروق النسخ الجديدة مني في كل عام.حين أُسدِلَ الستار على النسخة الأخيرة مني في العام الماضي، وخرج كل مشارك بما كان يستحقه، أي بالنتيجة الحتمية لكافة جهوده التراكمية، التي بدأ بها منذ أن قرر فعل ذلك، وتوقف عنها ولبرهة؛ كي يلتقط أنفاسه ويعود ومن جديد إلي بشكلٍ أفضل بكثير، فلقد توقعت أن أحداث هذا العام لن تمرق بسهولة؛ لأنها وبفضل روح المنافسة القائمة بين الجميع ستشهد تفوقاً سيحط بأقدامه على كل الأعمال المُشاركة باسمي؛ لذا فلقد غمرني التفاؤل، وشعرت بأن اليوم الأول لن يكون عادياً بل مميزاً وبكل ما تعنيه الكلمة، وعليه فلقد ترقبت لحظة البدء منذ العام الماضي، وعشت لحظات انتظار لم يكن ليُخفف من حدتها سواه الأمل بظهور الأفضل، الذي شهد عليه كل من شاهد ما جرى على أرض الواقع في يوم ميلادي هذا العام. التوقيع: مهرجان الدوحة المسرحي لعام 2016المهرجان المسرحي وما يعتلي الخشبة...كما جرت العادة فلقد كنت حاضرة وشاهدة على كل ما حدث في حفل افتتاح مهرجان الدوحة المسرحي، الذي يُعد كمتنفس حقيقي لكل من يعشق المسرح، ويجد فيه ضالته، فالفنان المسرحي مهموم بالدرجة الأولى بكل القضايا التي تحيط به ويتأثر بها دون أن يرتاح حتى يعالجها ويحولها لعمل فني ضمن قالب مسرحي لا حق له بالحياة إلا على ظهر (خشبة المسرح)، التي تمتص تجاربه الحياتية وإن جاءت على شكل آهات لا ولن يتفهمها سواه وذاك المتلقي الذي يُلقي بكل مهامه خلف ظهره؛ ليتوجه نحو المسرح الذي يُحدثه بحديث لا غاية منه سواه تحسين الأوضاع للأفضل، والحق أن هذه الحقيقة تشغل كل من يهمه أمر المسرح؛ لذا وحين تتوافر مساحة كافية كـ (مساحة المهرجان) فإن الطاقات تُشحذ؛ كي تستعرض كل ما لديها، ليس من باب التباهي بعظيم ما تملك، ومن ثم الفوز بجوائز المهرجان، ولكن من باب المشاركة بمهمة توجيه دفة الأمور نحو الأفضل، وإنها لمهمة عظيمة لا يستحق توليها سواه من يدرك حجمها وحجم مسؤوليتها، وهي النقطة التي ستأخذنا إلى سؤال خطير: هل كل من يعتلي الخشبة، يدرك هذه الحقيقة؟ وهل كل الجهود المبذولة تتمتع بشيء من المسؤولية؟إن الإجابة عن السؤال الذي ذكرته ستُعَرِف عن نفسها خلال أيام المهرجان، وتحديداً من خلال الأعمال المُشاركة في هذه النسخة منه، وهي تلك التي ستفوز متى قُدِرَ لها الفوز بقلب المتلقي، الذي يجد نفسه من خلالها تلك الأعمال، التي تترجم واقعه ضمن أحداث لا تبدو غريبة عليه، وكل ما في الأمر أنها تُسلط الضوء عليها من زاوية لربما يغفلها، ولكنه يلتفت إليها من خلال العمل، الذي سيتركه دون أن يُلقنه الإجابة، فهي تلك التي يجدر به إدراكها ومعرفتها بنفسه؛ كي يُباشر بمراجعة ذاته؛ لمعرفة ما يجدر به فعله. حقيقة لابد منهاللبعض فإن المهرجان فرصة ذهبية لابد وأن تُستثمر وبشكلٍ جيد يسمح بكشف الطاقات الإبداعية التي يتمتع بها (هو) وكل من يقرر التباهي بما يمتلكه، ومن باب الإنصاف فإن هذه الحقيقة لا غبار عليها، طالما أن تلك الطاقات ستوظف بشكل جيد سيسمح للعمل بأن يتألق كما يجب، ولكن ولنا وقفة صارمة (هنا)، لابد وأن يكون للمتلقي نصيبه من تلك الأعمال، بحيث يجد ضالته فيها، فهو ليس متفرجاً فحسب، ولكنه ذاك الناقد الذي يملك حقه من النقد، وإبداء رأيه في كل ما يُقدم له، فالطعام الذي يُحضر من حق من سيتناوله، وليس سواه، فهو وإن لم يُعجبه فلا حاجة إليه بتاتاً، وهو ذات الأمر في المهرجان، الذي يُشارك فيه الجميع بأعمال تترجم القدرات وتُعبر عنها، وللمتلقي حق إبداء رأيه بكل ما يُقدم له، فإما أن يرفع الإبهام تعبيراً عن شدة الإعجاب، وإما هو العكس ما سيكون، وسيتطلب منا العودة إلى الوراء قليلاً؛ لإيجاد الخطأ وتصحيحه، فهو الصواب وما يستحق بأن يكون، أليس كذلك يا عُشاق المسرح؟ وأخيراًلا أجد من كلماتي ما يمكن أن أختم به مقالي لهذا اليوم سوى: كل عام والمسرح بخير، طالما أن الخير يطل من خلال الأفضل والأجمل.