14 سبتمبر 2025

تسجيل

استلاف الشخصيات

29 فبراير 2016

في حلقة كنت شاهدتها من برنامج تلفزيوني تبثه إحدى القنوات الفضائية، وأشاهده من حين لآخر، كنت أقف مبهورا أمام عدة شخصيات استضافها البرنامج مصادفة، في أثناء طوافه في العاصمة، طارحا أسئلة تتعلق بكل منطقة يزورها. شخصية عوض الكريم، الملقب بعوض (زنقلة) منذ صغره، حين كان يدرس القرآن في الخلاوي، واكتسب بطنا ممتدا، ميزه عن بقية التلاميذ. ذلك الخياط الشهير في منطقته، ويمثل محله منتدى رياضيا وثقافيا، ومكانا تأتي إليه أخبار المنطقة أولا، ثم تنتشر منه بعد ذلك، لا يمكن أن يكون إلا شخصية روائية، يمكن كتابتها بصورة تليق بها، وهو ما يدعم القول، إن الرواية حتى لو كانت ممعنة في الفنتازيا، فهي في النهاية رواية ذات جذور واقعية، وإن الأدب مرجعيته الحياة نفسها.أيضا شخصية (شروم)، الشاب ذو الرأس الحليق، الذي اقتحم تجمع المشاركين في البرنامج، غير عابئ بالأسئلة أو الأجوبة التي تطرح، واستخدم لغة شارع غريبة، واصفا مقدم البرنامج، بأنه (الكاشف دخيل الله)، وتعني أنه جاء مستكشفا منطقتهم أو حيهم من دون استئذان، وتدخل فيما لا يعنيه، ثم تحدث بعد ذلك عن اختراعاته التي يعمل عليها ليل نهار، وسوف تغير وجه الكرة الأرضية، ومنها دراجة نارية يجري تحويلها إلى طائرة مقاتلة، ستذهب إلى فلسطين، وتحررها من قبضة إسرائيل الغاشمة، وأرجوحة تحمل الجالس عليها إلى أي مكان، من دون أن يخسر قرشا واحدا في المواصلات المكتظة بالبشر. وأخيرا ألقى قصيدة عن الحب والهجران وجراح القلب، لا علاقة لها بالشعر، ولكن ثمة علاقة وثيقة بينها وبين الفنتازيا.الشخصية الأخيرة، هي شخصية بائع الفواكه الذي يلقب بـ(ميس كول) أي مكالمة ضائعة أو رنة بلا رصيد، والتي أوجدتها الهواتف المحمولة في عالمنا المعاصر، وتحدثت عنها من قبل في روايتي العطر الفرنسي، حين سميتها رنة (أحتاج إليك بلا رصيد).هذه الشخصيات الغنية، وغيرها من الشخصيات التي تظهر في برامج مختلفة، وفي الشوارع ودور السينما، والحفلات العامة، والمطارات وكل مكان، هي عماد أي كتابة تأخذ من الواقع وتكتمل بالخيال، شخصيات مدهشة في رأيي، وتبرئ كتابتي وكتابة غيري ممن ينتهجون منهج الواقعية السحرية في الكتابة، من جنحة الإمعان في الفنتازيا، وعدم الارتباط بالواقع، تلك التهمة التي طالما توصف بها كتابتنا.لقد كتبت رعشات الجنوب بعد مشاهدتي تلك الحلقة بفترة، ومن دون أن أدري، وجدت شخصية شروم موجودة، وشخصيات أخرى، شاهدتها في برامج أو التقيتها في الشارع العام، وهذا العام كنت في الخرطوم، وأيضا كانت ثمة شخصيات بلا حدود، أتمنى أن يتسع الوقت لاستلافها.