15 سبتمبر 2025
تسجيلنشهد تحولات وإعادة تشكيل تحالفات على المستويين الإقليمي والدولي. بعد التقارب والزيارات المتبادلة بين القيادات في تركيا والسعودية والإمارات، وإرسال إشارات يمكن البناء عليها بين تركيا ومصر وحتى إرسال مؤشرات للتطبيع المشروط مع نظام الأسد في سوريا، يسرّع بنهاية حالة الحرب الباردة والاستقطابات بعد أكثر من عقد من دعم تركيا لثورات الربيع العربي، ويشكل تحولاً مهما ومصالحات بين القوى المؤثرة والرئيسية في المنطقة. على مدى عقد من الزمن شهدت منطقتنا تحالفات ومحاور متضاربة عمقت الشرخ والاصطفافات وعززت الانقسام والتخندق. شهدنا تحالف السعودية والإمارات ومصر والبحرين إبان الربيع العربي يقابله تحالف بين تركيا وقطر، تعمق الشرخ أكثر إبان الأزمة الخليجية. أتى التحول الواضح في مقاربة دول الرباعية تجاه تركيا بعد مصالحة قمة العلا في يناير 2021 وإنهاء الأزمة الخليجية، واليوم نشهد تبدلا في استراتيجية وأولويات الدول الرئيسية في التحالف السعودية والإمارات وكذلك في تركيا، مع وضع أولوية للتنمية والاقتصاد والاستثمارات في سياق تحقيق أهداف رؤى السعودية 2030 وقطر 2030 والكويت 2035 وعمان 2040. كما ساهمت المصالحة بين تركيا والسعودية والإمارات العام الماضي بانفراجة في العلاقات التركية - الخليجية بشكل عام. شهد العام الماضي قيام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارة السعودية، وأداء العمرة في العشر الأواخر من شهر رمضان العام الماضي وأعقب ذلك زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لأنقرة، ورفع الحظر عن سفر السعوديين إلى تركيا، وانهاء حملة نشطت على منصة تويتر العام الماضي مقاطعة البضائع التركية، وزيارة رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن سلمان لأنقرة وتعهده باستثمار 10 مليارات دولار في الاقتصاد التركي وقيام الرئيس أردوغان برد الزيارة إلى دولة الإمارات. كما شهدنا صعود مكانة ودور تركيا على المسرحين الإقليمي والدولي وتجنب مواجهة الطرف الآخر، مع ترسخ قناعة واقعية بأنه لا ينبغي تجاهل ومقاطعة تركيا، خاصة للعبها دور الوسيط في حرب روسيا ضد أوكرانيا والتوصل لاتفاق تصدير الحبوب والقمح من الموانئ الأوكرانية ودور تركيا في سوريا والعراق وليبيا. كما تعزز دور تركيا بشكل كبير بامتلاكها حق الفيتو ومنع انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو-حيث تملك الدول الثلاثون الأعضاء في الحلف حق الفيتو لأن قرارات الحلف تصدر بالإجماع. كما تعزز تركيا من موقعها ودورها في قلوب وعقول شعوب العالم الإسلامي، مؤخراً بكونها رأس الحربة وقائد الدفاع والتصدي ضد حملة الاسلاموفوبيا بعد حرق وتمزيق نسخ من القرآن الكريم في السويد وهولندا على أيدي متطرفين عنصريين. استدعت تركيا السفير السويدي بعد حرق نسخة من المصحف الشريف أمام السفارة التركية في ستوكهولم والغت زيارة وزير الدفاع السويدي- وحاول متظاهرون غاضبون اقتحام قنصلية السويد في إسطنبول وأحرقوا العلم السويدي. لكن الأخطر كان تهديد الرئيس أردوغان لن تدعم تركيا انضمام السويد لحلف الناتو- مما دفع رئيس الوزراء السويدي الإعلان أن عدم انضمام السويد لحلف الناتو يشكل تهديداً للأمن الوطني السويدي. لكن المحفز الرئيسي لتغير مواقف ومقاربات تركيا تجاه السعودية والإمارات بالتحديد وحتى الانفتاح تجاه مصر وجس نبض بلقاءات مسؤولين أمنيين سوريين، التقى وزيرا الدفاع التركي والسوري في موسكو في ديسمبر الماضي، هو الوضع الاقتصادي الصعب لتركيا، وارتفاع نسبة التضخم إلى 80% وتراجع قيمة الليرة التركية وما يرافقه بارتفاع أسعار السلع والوقود والكهرباء. ثانياً الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الحاسمة للرئيس رجب طيب أردوغان، الذي حدد موعد إجراء الانتخابات في 14 مايو القادم في مواجهة مروحة واسعة من الأحزاب اليسارية والشعوبية التركية المتكتلة ضد تحالف أردوغان-وحزبه العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية بزعامة دولت بهشلي. انتخابات لا يملك أردوغان وحزبه أن يخسرها، خاصة من المرجح أن تكون الانتخابات الأخيرة التي يخوضها أردوغان السبعيني. وكذلك تتزامن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية مع الذكرى المئوية الأولى لتأسيس الجمهورية التركية على يد كمال أتاتورك عام 1923. هذه المحفزات تشكل الدوافع الرئيسية لإقناع الرئيس أردوغان بالانفتاح والعودة إلى معادلة «صفر مشاكل» التي روج لها أحمد داوود أوغلو وزير الخارجية الأسبق، الذي شكل حزبا ينافس أردوغان في الانتخابات. سُعدت بالمشاركة الأسبوع الماضي بدعوة من مديرية الاتصالات في الرئاسة التركية ومركز الدراسات الإيرانية في مؤتمر واقع ومستقبل العلاقات التركية-الخليجية ودور الدبلوماسية العامة، بمشاركة أكاديميين من الكويت والسعودية الإمارات وقطر وأكاديميين وباحثين من تركيا في إسطنبول. ناقشنا على مدى يوم كامل في عدة جلسات تحديات أبعاد الأزمة في العلاقات التركية-العربية وخاصة بين السعودية والإمارات - وكيف ينعكس إيجابا التقارب والتعاون مع تركيا على العلاقات مع الدول الخليجية ككل. وكانت دول مجلس التعاون الخليجي وقعت وتركيا اتفاقية إطار عام 2005. وأعلن وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي-تركيا حليفا استراتيجيا عام 2008 وتشكيل المجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجي. لتصبح تركيا أول دولة تصنف حليفا استراتيجيا خليجياً. أثبتت تركيا نجاح قدراتها في مجالات الأمن الناعم وخاصة تكنولوجيا الطائرات المسيرة، ولذلك لم يكن مستغرباً توقيع الكويت قبل أيام صفقة ب370 مليون دولار- لشراء مسيرات بيرقدار. مما يعزز دور تركيا العسكري والأمني، وفي قطاعات التنمية والاستثمار والشراكات التجارية للشركات التركية في دولنا، والاستثمارات الخليجية، مما يعزز علاقة رابح-رابح للطرفين.