27 أكتوبر 2025

تسجيل

جدار الرواية الخفيض

29 يناير 2015

أثار الناقد السعودي محمد العباس الإعلانات الكبيرة لرواية صدرت حديثاً لداعية مشهور، وصلت إلى لوحات كبيرة وضعت على مفارق الطرق، متسائلاً عن طموح هذا العمل بدعايته غير المسبوقة: "أن يتم الإعلان عن الرواية من خلال حوامل الإعلانات الضخمة في شوارع وجسور القاهرة، تكلف قيمة الإعلان الواحد ميزانية طبع عشرات الكتب، فهذا يعني أن ما نحن بصدد قراءته هو عمل دعائي أكثر من كونه منتجاً أدبياً". يعيد محمد العباس سؤالاً قديماً مرتبطاً بسيرة الأدب، فلطالما شهدت تعدّيات على ساحتها، وادّعاء ملكيتها، بحسب قوّة انتشارها، فعندما كان الشعر ديوان العرب، لاذ به المعلّمون ونظموا من خلاله القصائد والأراجيز التي استفادت من بنيته الإيقاعية، لتحفيظ المتعلمين أماليّهم.وفي القرن العشرين برزت الرواية كمنتج أدبي عالمي نضج على فترات سابقة، ووصلنا مع المطبعة والترجمة، ونفشت فيه الأقلام، ولم يستوِ على سوقه حتى عهد قريب، ومع تعاليم الشعر على قرائه، وتخففه من وظائفه، وتسليمه (عهدة) قلق العالم وأسئلته الكبرى إلى الرواية، حتى هرع الغاوون إلى عوالم هذا الفنّ يتعثرون بحيواتهم ومصائرهم في ثناياها. تتعرض الرواية لما تعرضت له القصيدة، من الاستفادة من أبرز عناصرها (الحكي) للتعبير عن هموم متوسطي الموهبة من خلال فضفضات متناثرة لبناء رواية، وهذا ما يميز سيل الأعمال الروائية التي لا تعدم سوقها الرائجة بمجرد اللعب على وتر الممنوع، وقد يتسرب الوهم إلى كاتب أحد هذه الروايات أنه راوٍ مهمّ، لأن حكايته نفدت من الأسواق، كما عانت الرواية من عبء الأدلجة، إذ كتب الكثير من الساسة روايات لا تغادر خطاباتهم العامة، والآن يتجه الدعاة إلى كتابة روايات شبابية "مغامرات وقيم"، ولابدّ أن تعرّج على روايات كتبها (أو كُتِبت لهم) مشاهير تحمل طابع السيرة الذاتية. مما يدفعنا للقول إن الرواية هي "الطوفة الهبيطة" بالتعبير الخليجي، أو عمل من ليس له عمل.ورغم الجوائز الأدبية التي أعلنت مؤخراً (البوكر- كتارا) إلا أنّ دور النشر مدعوّة بدورها إلى ضبط معايير الطباعة، كما أن النقاد يحملون مسؤولية إشهار الأعمال الجيدة على الأقل، وتزكيتها للقراء، إن لم يكن متاحاً لهم مهاجمة الأعمال الرديئة.