16 سبتمبر 2025

تسجيل

البيت

29 يناير 2013

انتقلت إلى بيت جديد، تاركاً بيتي القديم وكومة ذكريات عزيزة، هو البيت الخامس الذي أتركه مدة إقامتي في الدوحة، أو الشقة الخامسة..ولكنه كان بيتي، سأتسامح مع نفسي في إلحاق ياء المتكلم بالبيت، رغم أنه بيت مستأجر، لكن عدّادَي الماء والكهرباء كانا باسمي.. هناك صوت داخلي يقول: البيوت المسـتأجرة منزلة بين الفنادق والبيوت ذات الملكية الحقيقية، ولكنها بيوتنا طالما وضعنا على جدرانها الصور وساعة الحائط، وقسمنا غرفها بيننا وبين أبنائنا. ثمّن إنّ بيتي الذي أمتلكه لم أسكن فيه سوى شهور قليلة مجمّعة من سنوات تقارب العشر، هي أيام الإجازات المتقطعة. كان صعباً أن يقف البدوي المعاصر على بيته القديم، على البلاط والخزائن والغرف الفارغة، والستائر وآثار المسامير على الجدران..كل مسمار معلّق بصورة وحكاية..مفتاح الشقة في يدي أسلمه للموظف المسؤول الذي يتفقد المصابيح والنوافذ ويدوّن ملاحظاته بمهنيّة وحيادية وهو يعدّ البلاطات التالفة كي يغرمني ثمن إصلاحها، ويتلمس زجاج النوافذ..دون أن تسعفنا لغة مشتركة لنتحدث عن البيوت. " خلقت ألوفاً لو رجعت إلى الصبا / لغادرت شيبي موجع القلب باكيا"..أردّد بيت المتنبّي حين أمرّ بالبيوت التي سكنتها سابقاً في وادي السيل والدوحة الجديدة ثمّ في السلطة الجديدة وفريج النصر. ألوّح للمكان وأخطف صورة عابرة وامضي... أذكر أنني لوحت يوماً لمهجع ضمّني ست شهور في الكلية الحربية في حمص..كنا أكثر من ثلاثين جامعياً من مختلف مناطق سوريّة، ومع مرور الوقت أصبحنا أسرة واحدة، ولا أدري إن نجا من القصف الآن، بعد أن طالت يد الدمار حمص وسورية معاً. تناثرت أعوامي على بيوتٍ ممتدّة من أيام الطفولة على أكتاف الفرات في قرية غمرتها المياه وأنا في السابعة، قرأت فيه حكايات السندباد على ضوء سراج، وغادرنا القرية إلى بيت آخر في قرية أخوالي.. شهدت بناءه قبل أن أنتقل إلى بيت الجدّ في ريف حلب الشمالي حيث تتاخم قرى قبيلتنا قرى التركمان ـ بحثت عنها في الغوغل إيرث فلم أجدها وعرفت من خلال الغوغل نفسه أنها صارت مقرّ نازحين في المخاض السوري الصعب ـ واستأثرت أم الفرسان بما بقي من طفولتي وشبابي وكتبت عنها كثيراً، قبل أن تحطّ بي الرحال الدوحة، وإلى بيتـ(ـي) الجديد، مستذكراً نهاية " خان الخليلي " إذ يرحّل نجيب محفوظ أسرة أحمد عاكف إلى حيّ آخر.