18 سبتمبر 2025

تسجيل

يا ثلج

28 ديسمبر 2016

أوّل ما وعيت الثلج كان 1972 في قرية الحرملة، كانت ثلجة عابرة، صنع فيها أخي الكبير تمثالًا من الثلج، وبقي في الساحة إلى أن ذاب، ولكنّ الثلج الذي عرفناه فيما بعد، كان في النصّ المدرسي "يا ثلج قد هيّجت أشجاني" لرشيد أيوب، وأظنها كانت في الصفّ الرابع، بعدها بسنوات حدثني صديقٌ راحل عن ذكرى لهذه القصيدة في القرية ذاتها، ذلك أن المعلّم القادم من الداخل (حمص- حماة- الساحل) صار يبكي عندما قرأها عليهم.كان الحنين يومذاك نصًّا مدرسيًّا، لم نتفاعل إلا مع إيقاع مشتبه بين مقطوع الكامل والسريع، ومعجم الثلج والشتاء بين الموقد، والجيران، والطفولة، والمعلّمون الغرباء الذين ظلّت آثار عصيّهم على أيدينا وأرجلنا، كان الثلج هدية الله للفقراء كي يفرحوا ويكتشفوا أشياء جديدة في "حبسة البيت". لكن ثلج 1978، غدر بشابٍ من قريتنا، حين عاد إلى أهله ليلًا، وتاهت معالم الطريق أمامه، حين أثلجت فجأة، وبقي أيّامًا، قبل أن يجده الناس حول القرية. الثلج الذي يذرف الآن فوق المخيّمات السوريّة على الحدود التركية، شبيه بذلك الثلج، بعيدًا عن رعاية المنظمات الدولية، ثلج غادر، يطالب أهلها بشيء بسيط، "كرفانات" فقط لا غير. سيأخذ الثلج نصيبه من الأطفال والشيوخ، أسوة بالقصف والجوع والحصار، ولكنّه الثلج الذي أحببناه، وكان أيقونتنا الأثيرة، ونحن نتهجّى وجع الحنين. ذابت القرية في الماء، وذاب صديقي في التراب، وظلّ رشيد أيّوب ينادي من المهجر "يا ثلج قد هيّجت أشجاني" فيجد في كلّ جيل من يقرأ قصيدته بالدموع ذاتها، دموع المعلّم الغريب، مكملًا درب الاغتراب العربي، في مواسم الهجرة المديدة عن الشرق الحزين وثلوجه السوداء.