18 سبتمبر 2025
تسجيللم تؤثر ظاهرة هبوط أسعار النفط بشكل قياسي في النصف الثاني من عام 2014 على مخصصات النفقات في السعودية للسنة المالية 2015 الأمر الذي يعكس الوضع المالي السليم والقوي للمملكة. لكن تأثير تراجع أسعار النفط واضح فيما يخص الإيرادات من جهة والعجز المتوقع من جهة أخرى. فقد تم إعداد موازنة السنة المالية 2015 بنفقات قدرها 230 مليار دولار مقابل إيرادات بنحو 191 مليار دولار، وبالتالي رصد عجز متوقع قدر0 39 مليار دولار.. وهذا يعني عدم حصول تغيير لقيمة النفقات المعتمدة وليست بالضرورة الفعلية ما بين 2014 و 2015. وقد جرت العادة حصول تغيير في أرقام النفقات والإيرادات مع نهاية السنة المالية لأسباب لها علاقة بالمتوسط الفعلي لأسعار النفط في السوق العالمية.الأرقام شبه النهائية لعام 2014 عبارة عن نفقات وإيرادات قدرها 293 مليار دولار و 279 مليار دولار على التوالي، ما يعني رصد عجز في حدود 14 مليار دولار، وعليه، تزيد النفقات الفعلية لعام 2014 بواقع 22 بالمائة عن تلك المعتمدة للسنة المالية 2015. اللافت أنها المرة الأولى منذ سبعة أعوام والتي يتم فيها إقرار عجز في المالية العامة للمملكة. بالعودة للوراء، تم تسجيل فائض قدره 103 مليارات دولار في السنة المالية 2012 عندما بلغ متوسط سعر النفط 109 دولارات للبرميل. لكن انخفض الفائض إلى 53 مليار دولار في 2013 مع تراجع أسعار النفط إلى 105 دولارات للبرميل وارتفاع قيمة النفقات.يبلغ متوسط 2014 قرابة 96 دولارا للبرميل نظرا لصمود الأسعار في النصف الأول خلاف ما ظهر عليه الحال في النصف الثاني من السنة. كما تتوقع العديد من الأبحاث لفرضية تسجيل مستوى متدن للأسعار في عام 2015 بناء على المعطيات الموجودة في سوق النفط العالمية. وربما ترتفع أسعار النفط في حال حدوث تطورات سياسية وأمنية خلال 2015 وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وهذا لا يمكن استبعاده، وقد تبدأ عملية توازن لأسعار النفط في حال دخول فصل شتاء "قارص". يشكل القطاع النفطي حجر الزاوية في الاقتصاد السعودي بدليل تشكيله قرابة 90 بالمائة من دخل الخزانة العامة، ما يعني بأن نفقات القطاع العام تعتمد أساسا على إيرادات القطاع النفطي.. وعلى هذا الأساس، تعتمد رفاهية الاقتصاد السعودي بشكل جلي على التطورات التي تحصل في أسواق النفط العالمية. من جهة أخرى، يقابل تراجع أسعار النفط ظواهر إيجابية في الاقتصاد السعودي.. على سبيل المثال، يتمتع الاقتصاد السعودي بالعديد من مواطن القوى من قبيل شبه غياب عامل التضخم، حيث بلغ متوسط مؤشر الأسعار أقل من 3 بالمائة أو تحديدا 2.7 بالمائة في 2014. ومن شأن ظاهرة تراجع أسعار النفط إبعاد فرضية حصول ارتفاع غير عادي لمؤشر التضخم خلال 2015 لأنه جرت العادة بأن تقوم بعض الدول المصدرة ألمانيا واليابان والصين والهند وكوريا برفع قيم منتجاتها المصدرة في خضم ارتفاع وليس انخفاض أسعار النفط بقصد التعويض.. فهذا ما حدث ما بين عامي 2007 و 2008 وعرف بظاهرة التضخم المستورد عند ارتفاع أسعار النفط لمستويات قياسية.أيضا، لا توجد معضلة الدين العام في السعودية بدليل تشكليه أقل من 2 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2014.. مما لا شك فيه، أمر جدير نجاح السعودية بتخفيض معضلة المديونية العامة من 82 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2003 لنحو 1.6 بالمائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي في 2014. ويعود الأمر إلى إصرار السلطات في توظيف جانب من العوائد النفطية الإضافية للتخلص من أعباء المديونية وهو تصرف يستحق الإشادة. كما تبين إيجابية هذه الخطوة مع هبوط أسعار النفط وبالتالي تقليص العوائد المالية طبعا مع غياب التهديد التضخمي.حقيقة القول، تتمتع السعودية بأوضاع مالية مريحة تمنحها قدرة تغطية العجز المالي لعام 2014 وقدره 14 مليار دولار وكذلك المعتمد لعام 2015 أي 39 مليار دولار. فلدى السعودية صافي أصول أو ثروة سيادية بقيمة 773 مليار دولار أي أكبر من حجم الناتج المحلي الإجمالي للمملكة وقدره 752 مليار دولار في 2014. يلاحظ بأن نفقات 2015 تشكل قرابة 31 بالمائة من قيمة الناتج المحلي الإجمالي للمملكة الأمر الذي يعكس الأهمية النسبية الكبيرة للنفقات العامة في الاقتصاد السعودي. تساهم نفقات الحكومة في منح مستثمري القطاع الخاص فرصة التعرف على توجهات القطاع العام خلال فترة الموازنة. فيما يخص توزيع النفقات، يلاحظ بأن مخصصات التعليم والتدريب تشكل قرابة ربع النفقات العامة لموازنة 2015 أي 58 مليار دولار ما يعكس خيارا وتوجها واضحا لدى صناع القرار في السعودية. كما يعد أمرا مقدرا تخصيص 43 مليار دولار للخدمات الصحية في المملكة المترامية الأطراف. اللافت في هذا الصدد بأن مخصصات مشروع مترو الرياض والمقدرة بنحو 22 مليار دولار خارج مشروع الموازنة العامة، إذ يتم تمويل المشروع الحيوي من مصادر أخرى. يعد المشروع حيويا بالنسبة لعاصمة تتميز بجملة أمور منها شرف أكبر مصدر للنفط الخام في العالم. لدى المملكة قدرة إنتاجية تصل لحد 12 مليون برميل يوميا في حال تطلب الأمر لكن يوجد بأن يبلغ المتوسط في حدود 9.5 مليون برميل يوميا.. ويبدوا أن إصرار المملكة للحفاظ على حصتها في سوق النفط العالمية دفعها لرفض خيار الحد من مستوى الإنتاج النفي لمنظمة أوبك مع ما لذلك من تداعيات على مستويات الأسعار. باختصار، تؤكد إحصاءات موازنة السنة المالية 2015 أن الظروف المالية في السعودية ليست مصدر قلق لكن دونما إغفال بعض التحديات مثل هبوط إيرادات الخزانة العامة ورصد عجز في المالية العامة.