10 سبتمبر 2025

تسجيل

إذا هبّت رياحك فاغتنمها

28 نوفمبر 2023

ليس من المُحيّر أن نمّر بانخفاضات وارتفاعات أثناء مسيرنا في دروب الحياة وجبالها وهضابها، بل على العكس هذا دليلٌ بيّن أنك على قيد الحياة، قيد الحُلم.. قيد الأمل.. وقيد العمل. تماماً كما ترصد أجهزة التخطيط نبضات القلب المتوالية صعوداً وهبوطاً.. فانعدام حركتها، ومسيرها على خطٍ واحد ما هو إلا إعلان لموت صاحبها، فالحياة بطبيعتها ليست على وتيرةٍ واحدة، وهذا ديدنها وأصل وجودها وحقيقة تكوينها، وللنفس أحوال متعددة، وهيئات مختلفة.. ما بين إشراق وأفول.. وإقبال وإدبار.. ورقي وانخفاض.. ومد وجزر.. وبذر وحصاد. وما المُسايرة مع هذه الحركة إلا (حكمة) تستدعي الإدراك، و(فن) يتطلب الإتقان. فركوب موجات النفس، والتوافق بها مع موجات الحياة، يتطلّب الحضور والتفهّم والاحتواء، ويستلزم الدُربة والمهارة للاستفادة من بركات تلك الموجات، وحصاد تلك البذور، والاستمتاع في نفس الوقت بكامل تفاصيل الرحلة. فـهوّن عليك، لا تبتئس لانطفاء همتّك حيناً، أو لتعب جسدك فترة، أو لاختفاء بريق الأمل في عينيك برهة.. تقبلها، فكلها حالاتٌ مؤقتة، وظروفٌ سارية لن تدوم، مآلها التبدّل والتحوّل. فجدد الأمل، واشحذ الهمّة، وقوِّ إيمانك بمسبب الأسباب، ومُهيئ الظروف ومُبدّل الأحوال، والتقط من صعودك زاداً يُغنيك وقت نزولك، ويُؤنسك حين انخفاضك، واستفد من علوّ همتك.. واغتنم رياحك إذا هبّت.. واستثمر قوتك قبل ضعفك، وانتهز فيضك قبل غيضك. وكما قيل: إذا هبّت رياحك فاغتنمها فبعد كل خافقةٍ سكونُ ولا تغفل عن الإحسان فيها فلا تدري السكونُ متى يكونُ لحظة إدراك: إدراكك أن الحياة أمواج تعلو صعوداً وهبوطاً، يدفعك نحو التفهّم لطبيعتها، فتصعد مع علوها نجاحاً وبذلاً وسعياً، وتهبط مع انخفاضها فلا تقاوم ما لم تستطع عليه صبراً، وتسلّم وقت شدّتها فلا تخف ولا تحزن وتقر عيناً لأنك تعي أن هذا جوهرها الذي لابد لك أن تتعامل معه، فتدرك متى تلزم ومتى تبرح، حتى تتقن ركوب موجتها، والتجديف عليها بمهارة تشبه مهارة (الركمجة) تساير حركتها فلا يكون لك معها إلا أُنس نفسك، وبهجة خاطرك، ومتعة لحظاتك.