13 سبتمبر 2025

تسجيل

مجلس الشورى وسرية مناقشة الموازنة العامة للدولة

28 نوفمبر 2021

عقد مجلس الشورى، لمناقشة الموازنة العامة للدولة، في جلسته الأسبوعية العادية بسرية، والحقيقة أنني لا أعلم لماذا لجأ المجلس إلى السرية! ما أعلمه هو الذي أكدت عليه المادة (98) من الدستور وهو أن "تكون جلسات مجلس الشورى علنية [...]"، وتوضح المذكرة التفسيرية ذلك بالقول: "المقصود بعلانية الجلسات هو كفالة حق المواطنين وأجهزة الإعلام في الحضور والمتابعة"، فالعلانية إذن هي "حق"، وهذا هو الأصل، ولا ينبغي أن ينتقص هذا الحق إلا في حالات الضرورة القصوى التي تؤدي فيها العلانية إلى الحاق أضرار جسام بالمجتمع، ومن هنا جاءت الإجازة بعقد جلسات سرية للمجلس. ولا أعتقد أن مناقشة الموازنة العامة للدولة بصورة علنية هي من الأمور الخطيرة الضارة بالمجتمع، بل على العكس من ذلك، فعلانيتها هي من الأمور الضرورية، ليس فقط لأنها تكشف عن مدى الشفافية التي تحكم سلوك المجلس والحكومة، بل لأنها حق للمواطن لمعرفة كيف يدار المال العام. ونحن إذ نقرر ضرورة علنية مناقشة الموازنة العامة للدولة، فإننا لا نحتج فقط بالشرعية القانونية مع أهميتها، وإنما نحتج قبل ذلك بما يؤسس الشرعية القانونية، إن مصدر احتجاجنا وأساسه هو الشرعية الاجتماعية، التي هي بمثابة الشروط الموضوعية الضرورية التي وضعت الموازنة العامة لتحقيقها. إن إشباع حاجات المواطنين المختلفة هو الغاية – الأصل الذي تستهدفه كل التنظيمات الاجتماعية وكل القواعد القانونية. هذا أولاً. وإذا كان ذلك كذلك، فيقيناً لا ينهض المجتمع ولا يتقدم إلا بإشباع تلك الحاجات، والتمايز بين المجتمعات في مدى الرفاهية والرخاء والعيش الكريم قائم على هذا الأساس، وهذا ثانياً. ولا يتسنى له ذلك إلا بمعرفتها (أي الحاجات) وبكيفية إشباعها (توفير الموارد البشرية والمادية وغيرها من الوسائل والخطط والتشريعات التي تساهم في تحقيق ذلك)، وهذا ثالثاً. والموازنة العامة هي البيان العام للدولة لتلك المعرفة ولكيفية إدارتها للمال العام الذي من خلاله تشبع حاجات المواطنين المختلفة. المعرفة أولاً، فهي حجر الزاوية في كل تقدم، ومستقبلنا مرهون بمعرفتنا الشاملة والدقيقة بواقعنا الاجتماعي من جوانبه المختلفة. ولأن الأمر كذلك، وهو كذلك بالفعل، أضحت المعرفة حقاً من حقوق المواطن، مثلها مثل حق الحياة، وتأسيساً على ذلك تصبح المعلومات الواضحة والدقيقة عن الموازنة العامة هي المعلومات الأهم، التي يجب أن تكون متاحة للمواطنين. لكل ما تقدم، فإننا لا نؤكد فقط على ضرورة المناقشة العلنية للموازنة العامة، بل على ضرورة أن تكون الموازنة العامة متاحة للمواطنين بصورة دقيقة وواضحة، وأن يزود المواطنون عن طريق النشر العام بتقارير دورية عن تنفيذها، وبدون ذلك يكون الحديث عن الشفافية والديمقراطية حديثاً فارغاً من المعنى.