13 سبتمبر 2025

تسجيل

لا.. حلب ليست هي الحل!

17 يناير 2023

كتب محمد بن المختار الشنقيطي، أستاذ الشؤون الدولية بجامعة قطر في موقع الجزيرة نت (7/1/2023) مقالاً يحرض فيه القيادة السياسية التركية على إشعال فتيل حرب جديدة في سوريا. فهو يدعو إلى أن تسعى تركيا "وحلفاؤها من الثوار السوريين إلى توسيع الحزام الحدودي في الشمال السوري وتعميقه، ليشمل محافظة حلب بالكامل (بما في ذلك حلب المدينة)، وأجزاء من محافظتي الحسكة والرَّقَّة، لبناء منطقة استيعاب للسوريين المهجَّرين"، ويرى أن هذا هو "الخيار الأصوب ضمن معادلات القوة الحالية". ولأنه لم يتصور المآلات التي ستترتب على عبارة "توسيع الحزام الحدودي"، لو تمت، فإنه يصف هذا الحل بأنه "ليس حلاً مستحيلاً "؛ بل يراه بسيطا جداً، وقد أصبح في متناول القيادة السياسية التركية. هذا الحل البسيط يقدمه التورط الروسي في أوكرانيا. فروسيا - بحسب رأيه - في مأزق، وهي في أمس الحاجة إلى متنفس "في مواجهة التطويق الغربي"، وليس من متنفس لروسيا غير تركيا. وبواسطة ذلك تستطيع تركيا أن تنتزع "تنازلا جدِّيّا من الروس في موضوع حلب"، وبذلك تصبح حلب "مركزا مزدهرا، ومنطقة استقطاب واستيعاب للمهجَّرين السوريين، ونموذجا سياسيا واقتصاديا يتميز على منطقة سيطرة النظام المتهالك، ويُظهر للسوريين كافة الفرق بين الحرية والعبودية، بين العدل والظلم"، دون الحاجة إلى مصالحة النظام السوري!. والحق إننا لا ندري كيف فاتت أستاذ الشؤون الدولية أن عبارة "توسيع الحزام الحدودي..." ليست حبراً أسود على الورق، وإنما دماء تراق وأرواح تزهق ! ودمار يأكل الأخضر واليابس. وحتى لو لم يفته ذلك، كيف غم عليه أنه لو كان في مقدور تركيا أن توسع الحزام الحدودي وتجتاح مدينة حلب لفعلت! ولم تنتظر من ينبهها إلى ذلك. إن أستاذ الشؤون السياسية وهو يتحدث عن كرامة الشعب السوري، ومصلحة الشعب السوري، ومصير الشعب السوري، لا نشك في كونه قد تابع ما آلت إليه حياة الشعب السوري من موت ودمار وتشرد وفقر وضياع، نتيجة صراع تعددت أطرافه كما تعددت أهدافه، صراع استمر أكثر من عقد من الزمان، وما زالت آثاره المدمرة تستنزف حياة الشعب العربي السوري قطرة قطرة. وتأسيساً على ذلك، كان حرياً بالأستاذ محمد الشنقيطي، من موقعه كمواطن عربي يؤلمه كما يؤلمنا ما يشاهده من ألم على وجوه الأطفال والنساء والرجال، الذين ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وكأكاديمي متخصص أن يبحث عن مخارج سلمية لصراع طال أمده، وطالت أضراره الجميع بمن فيهم تركيا. ألا يكفي هذا الألم الذي سَبَّبه صراع دموي استنزف، وما زال، ثروات بشرية ومادية ليس في سوريا وحدها، بل في جميع دول الإقليم؟. ألا يكفي ذلك لكي نفكر في مخرج سلمي يفتح أبواب الأمل في وقف النزيف البشري والمادي ويؤسس لمجتمع مستقر يجمع أبناءه تحت مظلة المواطنة المتساوية؟. يكفي الأستاذ الشنقيطي أن ينظر إلى تاريخ العلاقات التركية السورية قبل بداية ما دُعي بالربيع العربي ليجد أن المصالحة قد كانت "من مصلحة تركيا على المدى البعيد"، فالتعاون بين البلدين قد أثمر استقراراً ورخاءً، ومنتظر منه – إذا صدقت النوايا - أن ينعكس بصورة إيجابية في شتى المجالات في المستقبل. علاوة على ذلك، إن سوريا هي البوابة الكبيرة للمشرق العربي وشبه الجزيرة العربية، واستقرارها له نتائج إيجابية جمة على تركيا أولاً، وعلى سائر دول الإقليم. وبدلاً من أن تسعى تركيا "وحلفاؤها من الثوار السوريين إلى توسيع الحزام الحدودي في الشمال السوري وتعميقه، ليشمل محافظة حلب بالكامل (بما في ذلك حلب المدينة)، وأجزاء من محافظتي الحسكة والرَّقَّة، لبناء منطقة استيعاب للسوريين المهجَّرين"، كما يدعو الأستاذ الشنقيطي، فإن عليها أن تسعى إلى أن تعيد المياه إلى مجاريها قبل أحداث الربيع العربي. لذلك فإننا لا نقول "حلب هي الحل" بل نقول "سوريا هي الحل"، من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، ومن أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب. سوريا هي الحل استقراراً وتنمية، لها وللإقليم العربي والإسلامي. إن عودة المهجرين السوريين في تركيا لا يمكن أن تتم من خلال "توسيع الحزام الحدودي"، فهذا سيضيف مهجرين جددا، وإنما من خلال حل سلمي يضمن السيادة الكاملة للجمهورية العربية السورية على جميع أراضيها، وهذا يتطلب أن تخرج كل القوات الأمريكية والتركية من جميع الأراضي التي تحتلها، وأن تفكك الجماعات المسلحة، المدعومة من قبل تركيا والولايات المتحدة وبعض الدول العربية. وأن يصار إلى عقد اجتماعي يحمي حقوق المواطنين ويمكنهم من النهوض بمجتمعهم والتمتع بخيراته، ويفتح لهم آفاق التقدم في شتى المجالات، عدا ذلك، فإننا نجتث الأمل ونغرس الألم.