12 سبتمبر 2025

تسجيل

تطوير الجهاز القضائي

28 نوفمبر 2017

في افتتاح دور انعقاد مجلس الشورى السادس والأربعين، تطرق سمو الأمير إلى موضوع قلما يتم التطرق له في الخطابات الرسمية، وهو تطوير الجهاز القضائي وتعزيز قدراته، فقد وجه سموه بضرورة العمل على تطوير أنظمة العدالة بما يكفل ترسيخ استقلال القضاء وعدم إطالة أمد التقاضي، واتخاذ كافة الإمكانيات البشرية والإدارية والتنظيمية والتجهيزات اللازمة للمحاكم والنيابة العامة والأجهزة المعاونة، وافتتاح مقرات جديدة لها في أنحاء مختلفة من الدولة، وبين سموه أن الحكومة سوف تعرض على مجلس الشورى في وقت قريب مشروعات القوانين التي أعدت لتحقيق هذه الغاية.  لا شك بأنه ليس هناك نظام قضائي خال من العيوب تمامًا، لكن قيام بعضها بمراجعة وتقييم عملها باستمرار، وإجراء الإحصائيات والمسوح المتعلقة بها، واكتشاف الصعوبات التي تواجهها، وطرح المقترحات وتجربتها جزئيًا وقياس مدى فاعليتها قبل تعميمها، يؤدي لا محالة إلى التطوير المستمر لقطاع العدالة وجودة الخدمة التي تقدمه. فضمان حقوق الأفراد من خلال نظام قضائي فعال هو أحد الأسس التي توصل المجتمع إلى الأمان.  خمسة تحديات من وجهة نظري تواجه المحاكم عمومًا، يمكن اختزالها في كلمات هي: "معقدة"، و"مكلفة"، و"بطيئة"، هذه التحديات إذا اقترنت بكلمتين هما: "عدم الكفاءة" و"عدم النزاهة" ازداد الأمر سوءًا وانتشرت الجريمة وعَمَ الفساد وضَعُف الاقتصاد وهَرب الاستثمار.  وتتمثل الجودة المرتبِطة بالقضاء في جودة الخدمات، وجودة الأحكام. فالأولى تقتضي تمكين الفرد العادي من فهم مراحل التقاضي، كما تقتضي تبسيط إجراءات التقاضي، وسرعة الوصول إلى النتيجة. فأما فهم مراحل التقاضي، فإن تبسيط المعلومات القانونية المرتبطة بالتقاضي، والتعريف بالخطوات والمراحل التي يسير فيها المتقاضي، وتوفير نقاط الاستفهام ومكاتب المعلومات في المحاكم وفي مواقعها الإلكترونية، وتوفير الكتيبات التوضيحية والملصقات الإرشادية والأفلام القصيرة التوعوية باللغات المتداولة في الدولة، والإجابة على الأسئلة الأكثر شيوعًا وجعل الأحكام القضائية والتشريعات في متناول اليد والذهن، يسهم في جودة الخدمات القضائية.  وأما سهولة إجراءات التقاضي، فلا شك أننا في عصرٍ تُنير فضاءه التكنولوجيا فلتنير قضاءه أيضًا. فرفع الدعاوى إلكترونيًا، وسداد الرسوم إلكترونيًا، وإعلان الخصوم إلكترونيًا، والحصول على الوثائق إلكترونيًا، وتقديم المذكرات والمستندات إلكترونيًا، ومتابعة سير القضية إلكترونيًا، والحصول على القرار والحكم القضائي إلكترونيًا يسهم بدرجة فعالة أيضًا في جودة الخدمات القضائية. وبهذه المناسبة استشهد بما أثاره أحد المحامين الزملاء بالأمس من أن استغرق أكثر من شهر بين ذهابٍ وإياب للحصول على صورة من الحكم القضائي.  أما عن سرعة الوصول إلى النتيجة، فقد يكون نقص القضاة أو الكادر البشري سببها، أو عدم كفاءة كتبة العدل أو المسجلين، أو خلل في نظام إدارة القضية أو في أرشفة المستندات، أو في نظام الخبرة، أو التشريعات المنظمة للتقاضي، مما ينجم عنه التراخي والتباطئ، فمراجعة الإجراءات والأنظمة والتشريعات باستمرار والوقوف على الأسباب ومعرفة العثرات ومعالجتها يسهم في جودة الخدمات القضائية. ويرتبط بجودة الخدمات تقليل كلفة التقاضي من رسومٍ أو أتعاب، عبر آلية تضمن التوازن بين الجهد المبذول وموضوع التنازع والتقاضي. أما بشأن جودة الأحكام، فأمرها مرتبط بكفاءة القضاة وآلية اختيارهم وتطوير أدائهم باستمرار، ووجود معايير وآليات موضوعية للمراجعة الدورية لأعمالهم. وهو أمر مرتبط أيضًا بعدم التأثير الخارجي على القضاة وضمان استقلالهم. وهنا نؤكد على تقطير القضاء فهذا المرفق السيادي الذي مضى على تنظيمه أكثر من نصف قرن من الزمان نعجب من أن يبقى أغلب قضاته غير قطريين إلى الآن، فاشتراط المواطنة فيمن يتقلد القضاء عنصر هام للغاية لتفعيل مبدأ استقلال القضاء، والاستثمار فيه بالتطوير المستمر لأدائه، وخريجو كلية القانون بجامعة قطر يشهد لهم الجميع.   وأخيرًا يحلم كل قانوني قطري أن يرى مدينة العدالة أو قصر العدل أو حرم القضاء الذي يضم جميع المحاكم والنيابة العامة والمحكمة الدستورية والأجهزة المعاونة على أرض واحدة وتكون صروحًا تفخر بها قطر وتأومها السياح لهيبة مبانيها وأورقتها، والله من وراء القصد.